زيارة مهمة وذات دلالات تلك التي قام بها الملك عبدالله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية لفلسطين ولقاؤه في رام الله الرئيس محمود عباس رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية ودولة فلسطين.
الزيارة مهمة؛ لأنها جاءت بعد حدثين كبيرين وخطيرين وكاشفين لما تخطط إسرائيل لفلسطين والأردن معًا.
الحدث الأول هبة الأقصى التي أوقفت مفاعيل مؤامرة ظاهرة ومستمرة على القدس والأقصى، تمثَّلت في تركيب بوابات إلكترونية وكاميرات ذكية على أبواب الأقصى وفي ساحاته، كخطوة لفرض السيادة الإسرائيلية على الأقصى وممارستها كمقدمة لتقسيمته زمنيًّا ومكانيًّا ولاحقًا بناء هيكلهم المزعوم مكانه أو جواره. هبة الأقصى استمدت قوتها وعنفوانها من تضحيات أهل القدس الذين ظنّ نتنياهو وحكومته اليمينية أنهم استكانوا للوضع القائم، وسلموا بواقع الاحتلال ومخططاته لتهويد القدس والأقصى، فإذا بهم يهبّون رجالاً ونساء، وشيوخًا وأطفالاً رجال دين مسلمين ومسيحين، هبة رجل واحد، لا يخشون سطوة الاحتلال وبطشه، وأسندهم موقف شعبهم في مدنه وقراه، وموقف قياداتهم الصلب في رفض الإجرائات الإسرائيلية تجاه القدس والأقصى، ووقف أشكال التنسيق كافة مع الاحتلال، بما في ذلك التنسيق الأمني، وكذلك الموقف الأردني الصلب الذي عبر عنه جلالة الملك عبد الله الثاني وأركان حكومته بضرورة الحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى، وتراجع إسرائيل عن كلِّ الإجرائات التي اتخذتها في القدس والأقصى منافية للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، وأسند الموقف الرسمي الأردني موقف شعبي أردني غاضب من إجراءات الاحتلال وتدنيسه للمقدسات الإسلامية في القدس.
تكامل الدورين الأردني والفلسطيني في هبة الأقصى أزعجت حكومة نتنياهو التي انقسمت على نفسها على إزالة البوابات الإلكترونية والكميرات الذكية، وفتح أبواب الأقصى جميعها أمام أهل القدس والمصلين.
الحدث الثاني الذي يعطي لزيارة العاهل الأردني لفلسطين يتمثل في قتل رجل أمن إسرائيلي لمواطنين أردنيين في السفارة الإسرائيلية في عمان واستقبال بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية للقاتل المجرم في مكتبه كبطل قومي إسرائيلي؛ ما أغضب الأردن ملكًا وحكومة وشعبًا لما فيه من استخفاف بمشاعر الأردنيين والفلسطينيين والعرب جميعًا.
لقد تصرَّف الأردن مع الجريمة الإسرائيلية وفق الاتفاقيات الدولية التي تنظم العلاقات الدبلوماسية بين الدول في ما تصرف نتنياهو وفق مفهوم عنصري مقزز وانتهازية سياسية رخيصة أراد بها أن يعوّض عن خسارة معركة البوابات الإلكترونية، بلقطة استعراضية مع مجرم قاتل. لكن الملك الأردني وحكومته لم يكن ليقبلا بهذا التصرف والاستخفاف بأرواح مواطنين أردنيين، فكان الموقف الأردني صارمًا لا عودة للسفير الإسرائيلي إلى عمان قبل أن يقدَّم المجرم القاتل إلى قضاء عادل وينال جزاءه. تلكؤ الحكومة الإسرائيلية في اتخاذ القرارات القانونية ضد المجرم القاتل زاد من إصرار على موقفه، وعلى إحراج نتنياهو مرة أخرى لاستخفافه بالأعراف الدبلوماسية رغم إدراك الجميع أنه لن تكن هناك محاكمة عادلة للقاتل المجرم والشواهد على ذلك كثيرة في القضاء الإسرائيلي.
ولكن ثمةَ دلالة أخرى مهمة على زيارة الملك عبد الله الثاني ولقائه الرئيس أبو مازن، يأتي في ظلّ وضع عربي مأزوم اختلطت فيه الأولويات، وصارت القضية الفلسطينية قضية ثانوية، وأصبحت العلاقة مع إسرائيل الدولة التي تحتل فلسطين، وتشرد شعبها، وتهود قدسها، وأقصاها هو العدو الرئيس للأمة العربية، منذ إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948؛ والسبب الرئيس في كلِّ أزمات المنطقة وكوارثها لا توصف بالخيانة والتفريط بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، بل بالحليف المرجو بالكثيرين لمواجهة عدو مفترض للأمة العربية.
وهذا الأمر يطلق يد إسرائيل حرة في رسم مستقبل فلسطين، وتتعداها إلى الأردن؛ ما دفع القيادتين الفلسطينية والأردنية إلى اللقاء لاستشراف آفاق المستقبل ومواجهة المختطات الإسرائيلية التي تبنيها حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو.
والزيارة رسالة واضحة لإسرائيل ولكثير من الدول العربية بأنّ القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وكلّ ما عدا ذلك من صراعات يظلُّ ثانويًّا، إذا ما قيست أخطاره بأخطار المشروع الصهيوني بالمنطقة، وبالتالي فإنّ حلَّ الدولتين لا يزال الحلَّ الممكن الذي يجنب المنطقة صراعات طويلة الأمد ومدمرة.
وعلى الإدارة الأمريكية الجديدة، أن تدرك ذلك قبل أن تغلق الباب سريعًا أمام جهودها ووعود رئيسها بإمكانية حلِّ الصراع.
الوضع مأزوم في الولايات المتحدة وفي إسرائيل وفي فلسطين والأردن والدول العربية،ـ ولا بارقة أمل في حلِّ سريع للصراع، ولكن إقفال الباب أمام محاولات حلِّه سيعرض المنطقة لمزيد من العنف والانفجارات.