ماذا كنا نتوقع من مدير مكتب الجزيرة في فلسطين أن يفعل بعد قرار دولة الاحتلال إغلاق مكتب الجزيرة؟ هل كنا نتوقع أن يصمت، أم كنا نتوقع أن يجد له عملا آخر غير الصحافة وغير الكتابة؟ أم كنا نتوقع مثلا أن ينظم مسيرة إلى بيت ايل؟
لعله لا يتوافق بالنسبة للبعض –وأنا منهم- قيام العمري بالكتابة إلى صحيفة "هآرتس الإسرائيلية" بالطريقة التي كتب فيها، لكن الأمر بحاجة إلى أن نجيب على سؤال مهم جدا وهو: لماذا نعطي لأنفسنا حق الوصاية على الآخرين بالطريقة اللا محدودة التي نتبعها، ولماذا نفترض أن هنالك اتفاقا قيميا على سبل ممارسة الوطنية والمواطنة وسبل مواجهة الخروج عن تلك القيم ونحن لا اتفاق مجتمعي وحدوي عليها، ولا نستطيع مثلا أن نخرج بتعريف شامل واضح متفق عليه لمفهوم التطبيع ونجمع شملنا حوله ونطبقه.
قالت جدتي مرة: نحن نعرفُ كل شيء، نحن لا نستطيع أن نعترف أننا لا نعرف، أو أن نحتمل قول إننا لا نعرف.
والمعرفة هي الشيء الوحيد الذي لا نمتلكه ضمن سياق المنظومة السياسية الحالية، فباستحضار أقرب حادثة "معرفية"، فنحن لم نكن نعرف وما زلنا لا نعرف إن كان التنسيق مع دولة الاحتلال قد توقف في فترة أحداث الأقصى الأخيرة، بدليل أنه لو توقف لكنا الآن بلا ماء ولا كهرباء لأن توفير الماء والكهرباء لنا يقتضي تنسيقا مع اسرائيل، لكانت حركة المعابر توقفت، لأن الأمر يقتضي تنسيقا مع اسرائيل، وبالتالي، ورغم أن التنسيق توقف، فنحن لا نعرف إن كان توقف أم لا، فعلينا أن لا ندعي معرفة الأشياء.
والعمري، يعرف أننا لا نعرف شيئا عن تلك اللحظة التي دفعته للكتابة دفاعا عن الجزيرة في صحيفة اسرائيلية، والعمري يعرف أننا سننقسم بين مؤيد ومعارض له، وهو يعرف أن معارضتنا وتأيدنا له، لا تعني شيئا، وأنه لولا أنه كتب المقال في صحيفة هآرتس لكنا قد نسينا أصلا أن مكتب الجزيرة قد تم اغلاقه.
فها هي الحياة عادت ودبت في مسألة إغلاق الجزيرة في فلسطين، بعد أن هدأت عاصفتها كما يحدث بعد كل هبة ييهبها هذا الشعب الذي "يعرف!".
وهذا هو عمل الصحفي؛ أن يبقي قضيته حية.