اختيارات الحدث
نشرت جريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتب خورشيد دلي بعنوان ” تركيا وإيران بين التحالف والتنافس” يتحدث فيه عن العلاقة بين تركيا وإيران ومستوى التنسيق بينهما بشأن قضايا المنطقة حيث يقول:
شكلت الزيارة التي قام بها رئيس هيئة الأركان الإيراني الجنرال محمد باقري إلى تركيا ومحادثاته مع كبار المسؤولين الأتراك علامة فارقة في العلاقات بين البلدين، فهي الزيارة الأولى لرئيس هيئة اركان إيراني إلى تركيا منذ عام 1979، كما ان المحادثات أظهرت قدراً كبيراً من التنسيق الأمني والعسكري إزاء الملفين الكردي والسوري، بعد سنوات من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وشن الحرب بالوكالة ومباشرة في ساحات سورية والعراق، إذ ان محادثات باقري أظهرت توافقاً إزاء ثلاث قضايا أساسية هي:
1- رفض الجانبين الاستفتاء المقرر في إقليم كردستان العراق، بل تجاوز الرفض إلى حد التهديد بعمل مشترك، على اعتبار ان هذا الاستفتاء يهدد استقرار المنطقة، وهو ما يعني وجود خوف حقيقي لدى الجانبين من ان تنعكس نتائج الاستفتاء على القضية الكردية في تركيا وإيران على اعتبار ان اكراد البلدين قد يطالبون لاحقاً بمثل هذا الاستفتاء.
2- الاتفاق على التنسيق والتعاون العسكري والأمني ضد «حزب العمال الكردستاني» بشقيه التركي والإيراني (حزب «بيجاك» الذي يشكل الفرع الإيراني لحزب العمال). ويأتي هذا الاتفاق بعد سنوات من اتهامات تركية لإيران بدعم «حزب العمال الكردستاني» وحليفه السوري «حزب الاتحاد الديموقراطي» وجناحه العسكري «وحدات حماية الشعب».
3- تكثيف التعاون في شأن مناطق خفض التوتر في سورية وتحديداً في الشمال حيث محافظة ادلب التي تحولت إلى وجهة للمجموعات المسلحة على رغم سيطرة «جبهة النصرة» مؤخراً على كامل المحافظة تقريباً، ويأتي هذا التعاون بعد سنوات من الاحتراب المتبادل في الميدان وسط اتهامات متبادلة بممارسة سياسة طائفية، وصلت إلى انتقادات متبادلة على الهواء مباشرة.
لكن تلاقي المصالح التركية – الإيرانية على هذا النحو لا يعني تطابق وجهات النظر أو سهولة إقامة تحالف بينهما، فللبلدين إستراتيجيات مختلفة، بل ان العلاقات بينهما تقف على إرث من الصراع والتنافس على مناطق المشرق العربي والخليج وآسيا الوسطى، ولعل هذا الإرث وعلى رغم تحسن العلاقات بينهما في لحظات الاتفاق ضد التهديد الكردي، يظلل العلاقة بينهما على أسس يتداخل فيها الطائفي بالمصالح الاقتصادية والنفوذ الإقليمي والدور السياسي، على شكل مواجهة بين الشمس الإيرانية (اختار الشاه إسماعيل الصفوي الشمس رمزاً لعلم إيران) والقمر التركي الذي يشكل رمزاً لعلم البلاد منذ عهد الدولة العثمانية، في اشارة إلى التصادم الإقليمي بين البلدين، أساسه الصدام على الجغرافية السياسية والاجتماعية منذ ان ثبتت معركة تشالديران عام 1514 الحدود الجغرافية بينهما.
وانطلاقًا من هذا الإرث تختلف رؤية كل طرف إلى قضية التقارب الحاصل حالياً، فطهران تقابل رغبة تركيا في الانفتاح على أساس انها تنازل عن سياسة سابقة ومن زاوية اليأس التركي والانقلاب على شعار إسقاط النظام السوري، فيما ترى أنقرة أن لا تغير جوهرياً في سياستها، وإنما مقاربة جديدة لكيفية حل أزمات المنطقة. وحتى في الملف الكردي ثمة تباينات كبيرة، فالرفض الإيراني المطلق لتطلع إقليم كردستان إلى الاستقلال وتحالفه مع الولايات المتحدة يقابل بتفهم تركي انطلاقاً من حسابات تركية تتعلق بالعلاقة مع الإقليم وكيفية مواجهة «حزب العمال الكردستاني»، وحتى في الملف السوري، فإن تصريحات الجانبين الداعية إلى الانفتاح والتعاون في مجال خفض مناطق التوتر لا تبدو متطابقة مع واقع الميدان، إذ ان التسخين العسكري التركي على الحدود مع إدلب وعفرين يبدو أقرب إلى رسالة مفادها: أمنحكم إدلب مقابل رأس الكيان الكردي في شمال سورية، فيما تنظر إيران الى الأمر على انه انتصار لها وللنظام وهزيمة للمعارضة التي تدعمها تركيا، ومع ان التقارب التركي مع إيران يبدو وكأنه استمرار لمسار الانفتاح على روسيا الا ان ثمة مفارقة هنا، وهي ان تطوير العلاقة التركية -الروسية يفتح خيارات عسكرية جديدة أمام تركيا لجهة تدخلها عسكريًا في شمال سورية انطلاقاً من تجربة عملية درع الفرات، وهو ما قد يكون على حساب التعاون العسكري الروسي – الإيراني في سورية إذا تكررت العملية التركية كما يقول المسؤولون الأتراك. التقارب التركي – الإيراني لا بد ان يترك تداعيات على مسار الأزمة الخليجية، وكذلك العلاقات التركية – الخليجية بخاصة في ظل التوتر الذي تشهده العلاقات الإيرانية – السعودية. وعليه، فإن أي توافق إيراني – تركي بخصوص ملفات سورية والعراق وقطر…
لا بد ان يخلق حالة اصطفاف إقليمية جديدة في المنطقة، على شكل مراجعة للعلاقات الخليجية مع تركيا بعد ان تحسنت في السنوات الأخيرة على خلفية الموقف المشترك من الأزمتين السورية واليمنية، لكن يبقى الأهم هنا، نظرة الغرب إلى التقارب الجاري بين أنقرة وطهران وموسكو، وما إذا كان ينظر إلى هذا التقارب على انه مقدمة لتحالف سياسي ضده أم مجرد توافق مرحلي فرضته ظروف الاستفتاء الكردي والخوف من ولادة دولة كردية مستقلة في المنطقة.