الحدث- محاسن أُصرف
قبل ثلاثة أعوام اتخذت شركة Continue Production FILMS قرارًا بالمغامرة بإنتاج فيلم سينمائي يُعيد للسينما الفلسطينية عافيتها ويُحفز رجال الأعمال والمستثمرين إلى توجيه أموالهم لصناعة الأفلام باعتبارها وسيلة فاعلة في تعرية الاحتلال الإسرائيلي وفي التعبير أيضًا عن الجرح الفلسطيني الممتد بآثاره منذ نكبة 1948.
وقتها آمن فريق الشركة التي يُديرها المُخرج "علاء العالول" وبعضًا من رفاقه الشغوفين بالسينما والطموحين بإنتاج صناعة محلية 100% بدءً من القصة وانتهاء بأدق تفاصيل المشاهد، بحق المواطن الفلسطيني وخصوصًا الغزي بأن يمتلك سينما من جهة تنقل الصورة بوضوح للمشاهد الفلسطيني والعربي عن الجرح والمعانا وتفاصيل الحياة الإنسانية والاجتماعية، ومن جهة أُخرى تُحقق له بعضًا من الترفيه في ظل انعدام سُبله في القطاع خاصة خلال السنوات الأخيرة، وبحسب "العالول" فقد اجتمع ورفاقه على الشغف بالسينما الذي قادهم إلى المغامرة بإنتاج فيلم روائي فلسطيني خالص يُشارك فيه ذو الخبرة وآخرين لم يقفوا أمام كاميرا السينما أبدًا.
اختار "العالول" بعضًا من ملامح القضية الفلسطينية ليُقدمها للمشاهد بقالب وطني درامي عُد الأول سينمائيًا والأطول روائيًا على المستوى الفلسطيني، وحمل عنوان "عشر سنين" التي يقول عنها فريق العمل أنها الحقبة الزمنية التي تدور أحداث الفيلم خلالها والممتدة منذ عام 1999 حتى 2009.
لماذا عشر سنين؟
وأحدث اسم الفيلم منذ الإعلان عنه حالة من الشغف لدى المشاهد، البعض ظنّ أنها مرتبطة بسنوات الحصار والانقسام الذي امتد منذ 2006 وحتى يومنا هذا، لكن "العالول" جزّم لـ "الحدث" أن التسمية لم تكن مرتبطة بالأحداث السياسية التي نخرت جسد الوطن الفلسطيني وأن الهدف منها التشويق، وقال: "إن الاسم يدفع للتساؤل الذي يقود حتمًا لمشاهدة الفيلم لحل لغزه".
وبحسب خبراء فإن الاعتماد على اسم الفيلم بإبهام تفاصيله أسلوبًا تسويقيًا جديدًا من شأنه أن يُضاعف الأرباح خاصة وأن الشخصية الفلسطينية معروفة بفضولها ومحاولتها لكشف الألغاز والمشي وسط حقول الألغام، وتوقعوا أن يكون الإقبال على مشاهدة الفيلم في دور السينما كبيرًا خاصة إذا لم يتوفر الفيلم ع قنوات اليوتيوب عبر الإنترنت.
ولم يكشف "العالول" عن أي تفاصيل من شأنها أن تُؤدي بالمشاهد إلى توقع أحداث الفيلم لكيلا ينزع عنصر التشويق والإثارة عنه، واكتفى بالقول لـ"الحدث" أن بداية قصة الفيلم التي كُتبت على مدار 3 أشهر كانت مع قضية الأسرى التي دفعت أحداث الفيلم للأمام، وأضاف أن الفيلم سيدخل في تفاصيل القضية الفلسطينية عبر البوابة الاجتماعية وسيعمد إلى نقل الصراع مع المحتل خلال فترة أحداث الفيلم التي تدور في حيز 10 سنوات فقط.
للمرة الأولى أمام الكاميرا السينمائية
التحدي الأبرز الذي واجه المخرج والشركة المنتجة أنّه لم يكتب الأدوار في الفيلم لممثلين يعرفهم سابقًا ويُفصل الشخصيات وفق تاريخهم وتوجههم الفني، يؤكد "العالول" أنّه أنجز السيناريو وبدأ بتحضيرات الإنتاج والتواصل مع جهات في الخارج لإحضار مُعدات التصوير السينمائية ومن ثمّ بدأ بفتح الباب على مصراعيه لاختيار الممثلين للأدوار المكتوبة وذلك عبّر مسابقة للأداء، يقول: "الغالبية من فريق العمل واجهوا الكاميرا لأول مرة لكنهم كانوا شغوفين بالعمل وأتقنوا أدائه بكثير من الواقعية بعيدًا عن التصنع".
بدورها تُشير الممثلة "آية سلطان" إلى أن الموهبة والشغف بتقديم عمل فلسطيني خالص يُضاهي في جودة أدائه والمعدات المستخدمة فيه الأفلام العربية، كانت بمثابة الزاد التي تزّود به الفريق لإخراج أفضل ما لديه بأقل الإمكانيات المتاحة سواء على الصعيد المادي أو على صعيد التعامل مع التقنيات الموجودة، وتُضيف خلال مقابلتها مع "الحدث" أنها لأول مرة تترك العمل الذي اعتادت عليه في مجال الإعلام والعلاقات العامة وتواجه كاميرا السينما.
وبحسب "العالول" فإن اختيار "آية" لتكون بطلة الفيلم لم يكن سهلًا سبقها في محاولات لعبه وتمثيلة أكثر من 7 فتيات جميعهن لم يستطعن اجتياز مرحلة الاختبار، ورغم ذلك لا تنفي مواجهتها للكثير من الصعوبات بدءًا من وقوفها أمام ممثلين ذو خبرة طويلة في المجال كالفنان أكرم عبيد الذي يحترف التمثيل منذ أكثر من 30 عامًا، إضافًة إلى عدم قدرتها على التخلص من آثار الشخصية التي تُمثلها في العمل على تفاصيل حياتها اليومية، تقول: " كنت أعود إلى المنزل وأنا أحمل هموم قلب حياة وأحاول التفكير لها في مخرج".
و"حياة" في الفيلم التي تُمثل "آية" شخصيتها بدقة متناهية واحترافية عالية وفقًا لشهادة "العالول" وطاقم العمل كاملًا، هي محامية وأم لطفلين تُحاول أن تُدافع بقوة وصلابة عن عائلتها أمام كل متناقضات المجتمع في الفترة الزمنية التي يُعالجها الفيلم، فيما يُحاول صُناع الفيلم التأكيد على حضور المرأة الفلسطينية ومشاركتها الفعالة في المجتمع بعيدًا عن التفرد الذكوري الموجودة في غالبية الإنتاج الفني في القطاع سواء مسلسلات أو أفلام وثائقية.
رأس المال جبان
يأخذ "العالول" ورفاقه في الشركة المُنتجة على أصحاب رأس المال خاصة في قطاع غزة، ابتعادهم عن الاستثمار في صناعة الفن عمومًا وخاصة السينما لاعتبارات مختلفة أهمها عدم ضمان الربح فيها في ظل النظرة السلبية من قبل المجتمع ناهيك عن التكلفة العالية التي يُغامر بها، يقول: " إن أصحاب رؤوس الأموال يخشون ضياع أموالهم دون الاستفادة منها" وأشار أن هذا التخوف لم يكن مُكبلًا للشركة المنتجة التي يُديرها بل مُحفزًا لها لتقديم أفضل ما يُمكن من أجل استعادة فتح دور السينما في غزة لتقديم محتوى يليق بالشعب الفلسطيني في كل مراحله التاريخية، وأضاف: نهدف لأن نكون دافعًا ونموذجًا ناجحًا في توجيه أصحاب رؤوس الأموال إلى قطاع الإنتاج السينمائي.
ويبدو "العالول" متفائلًا بأن يُحقق الفيلم الذي استغرق إنتاجه عشرة أشهر نجاحًا كبيرًا، باعتبار أنّه يُلامس قضايا واقعية تهم المشاهد ناهيك عن الحالة الإبداعية التي كان عليها فريق العمل أثناء أداء الأضواء، يقول: "لا أظن أن تضيع هذه هدرًا"، ناهيك عن أن الأفلام باتت اللغة التي يُمكن من خلالها تسويق القضية الفلسطينية في الداخل والخارج بتفاصيلها الإنسانية والاجتماعية والوطنية بعيدًا عن الحزبية.
من جانبه المواطن الغزي بدا متعطشًا لرؤية إنتاج سينمائي فلسطيني، يروي شغفه بمعالجة قضاياه بطريقة شبابية إبداعية قائمة على الوطني الإنساني بعيدًا عن التحيز الحزبي أو التلون الفصائلي، يقول "خالد" وهو طالب إعلام قسم إذاعة وتلفزيون بجامعة الأقصى أنّه متحمس جدًا لأن يُشاهد الفيلم بكل تفاصيله من قصة وإمكانيات تصوير وإخراج، وعدّ الشاب الذي يدرس في سنته الرابعة أن مجرد وجود إنتاج سينمائي في فلسطين وتحديدًا في قطاع غزة تحدي كبير وإنجاز أكبر يُؤكد على قدرة الطاقات الشبابية على الخروج من حالة الفراغ التي يُجبرون على البقاء بها وفقًا للأوضاع السياسية والاقتصادية التي جعلت أكبر همهم الحصول على عمل يؤمن قوت اليوم، لكنّه يعتب على المؤسسات الرسمية وكذلك أصحاب رؤوس الأموال الذين لا يجدون سبيلًا لاستثمار أموالهم في صناعة الفن الفلسطيني عمومًا وخاصة السينما بذريعة بالتكلفة العالية.
فيما تبدو "زينة"17 عامًا والتي تُبدي ميولًا فنية في مجال عزف الموسيقى، أكثر تحمسًا لحضور الفيلم عبر قاعة سينما تمامًا كما في الدول العربية التي زارتها، تقول: "إن فكرة وجود سينما حقيقية في غزة مميزة جدًا ومُبهرة" وأضافت أنها تكسر حالة الملل التي اعتاد عليها المواطن الغزي تحديدًا بمشاهدة الأفلام عبر الإنترنت أو من خلال التلفاز.
الفتاة أكدّت أنها ستشتري تذكرة الفيلم وستعمد إلى دعوة صديقاتها لحضوره عبر شاشة السينما دون الانتظار لأن يُعرض على قنوات اليوتيوب، وتُعقب أتمنى ألا تكون أسعار التذاكر مرتفعة جدًا وتتناسب مع كافة إمكانيات المواطن الغزي.
العرض داخل السينما
يُصر "العالول" وفريق العمل في الشركة المنتجة على عرض الفيلم داخل دور السينما الفلسطينية، مؤكدًا أنها وُجدت في قطاع غزة منذ عام 1944، ويرى أن من حق المواطن الغزي أن يستعيد فتح السينما التي يملكها ويستمتع بعرض الأفلام عبرها كبقية دول العالم.
ومن جانبه ذكر "عاطف عسقول" المدير العام للفنون والتراث بوزارة الثقافة بغزة، أنهم كجهة رسمية حاولوا التنسيق مع أصحاب دور السينما من أجل ترميمها وإعادة افتتاحها بعرض الفيلم داخلها، وقال: إن العرض بهذه الطريقة سيمنح الفيلم انتشارًا أكبر خاصة في ظل شغف الأجيال الشابة بمعايشة ذات الظروف التي يُعايشها أقرانهم في العالم بالذهاب إلى السينما والاستمتاع بمشاهدة الأفلام بطريقة جديدة لم يُعايشوها أبدًا.
ويأمل عسقول أن يتم إنتاج المزيد من الأفلام الروائية التي تتوافق مع الهم الفلسطيني وتُلامس حياة المواطن، لافتًا أن وزارته تمنح التراخيص اللازمة للمؤسسات وشركات الإنتاج الخاصة لتقديم أنواعًا مختلفة من الفنون الدرامية.
يُذكر أن الفيلم سيتم عرضه خلال الأسبوع المُقبل وسيستمر في دور العرض بقطاع غزة طيلة أيام عيد الأضحى المبارك، فهل سيُحافله النجاح المتوقع؟