لا أحب استخدام ضمير المتكلم ولغة الأنا في الكتابة، لأن الكتابة فعل اجتماعي كما هي فعل فردي. أسوق ذلك مستميحا من قارئي العذر، لمناسبة الهجوم/ الرد الذي قام به حزب التحرير الإسلامي على مقالي "ثغرات في جدار القدس" المنشور في )الحدث( بتاريخ 8/8/2017 بتوقيع عضو المكتب الإعلامي في الحزب د. ماهر الجعبري، ونشر في صحيفة الحزب (الراية) وفي عدد من المواقع الاليكترونية.
وبعيدا عن تفاصيل المقال والرد عليه، أعتقد أنها مناسبة للتساؤل عن طبيعة هذا الحزب ودوره في الحياة الفلسطينية، لا سيما وأنه حزب تاريخي حيث أسسه تقي الدين النبهاني في القدس عام 1953، وله نشاط إعلامي بارز، ويقيم مهرجانا سنويا يحشد له الآلاف في ذكرى سقوط الخلافة العثمانية، وللحزب امتدادات عربية وإسلامية وحضور في بعض التجمعات الإسلامية في الغرب تسير كلها على النهج عينه.
يختصر الحزب مواقفه ومبادئه في جملة واحدة مفادها أن "الخلافة هي الحل"، ولذلك يتخذ موقفا معاديا من كل النظم السياسية الغربية والشرقية، وحتى الإسلاموية، ويعتبر الديمقراطية والانتخابات من المحرمات، على الرغم من خوضه الانتخابات النيابية للبرلمان الأردني ونجاحه في إيصال مرشحه حينذاك أحمد الداعور لقبة البرلمان عام 1955. ويتركز عمله في الجانب الدعوي، وقد نشر الحزب عشرات الكتب السياسية والاقتصادية والدينية، فضلا عن انتظام مجلتيه "الوعي" و"الراية"، كما يبدو واضحا تمتعه بقدرات مالية جيدة.
وتبدو نظرة الحزب لما يجري في العالم شدية الغرابة، فكل الدول والأحزاب والحكام عملاء إما لأميركا أو لبريطانيا، والتاريخ هو خيط متصل من المؤامرات، ويتسم أداء الحزب بالطابع السلمي إجمالا، لكن التفكير الانقلابي ليس غريبا عنه، ربما بسبب تأثره بنظريات المؤامرة، وقد سجلت محاولة واحدة على الأقل في الأردن، وأخرى في أوزبكستان.
ومع أن دعاية الحزب لا تتوقف عن شتم الاحتلال الذي يسميه "دولة يهود" فإن معظم جهد الحزب موجّه للنيل من القوى والفصائل الوطنية، والغمز من تضحياتها وشهدائها. ولم تسجل اية حالة احتكاك أو مقاومة بين هذا الحزب والاحتلال الإسرائيلي على مدى 50 عاما، ولا عجب فللحزب حله السحري لإنهاء الاحتلال، هو قيام دولة الخلافة، ولا ينفك حزب التحرير عن دعوة جيوش الدول المسلمة للزحف على فلسطين وتحريرها، وأحيانا يحدد هذه الجيوش بالاسم كجيش اندونيسيا والجيشين الباكستاني والتركي.
برز عناصر حزب التحرير في عدد من النشاطات والمواقف القبيحة التي أضرت بصورتنا الفلسطينية، مثل التصدي الفظ والعدواني لعدد من زوار المسجد الأقصى ومنهم وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد ماهر، والوزير محمود الهباش، ورجل الأعمال منيب المصري، كما في تأليب الرأي العام وإثارة النعرات الطائفية، ضد تجديد وجود الكنيسة الارثوذكسية الروسية في الخليل، والمفارقة أننا لا نلمس حميّة الحزب ضد الوجود الاستيطاني في القدس والخليل.
ولأن الحزب لا يؤمن بالديمقراطية والتعددية فهو لا يطرح اي برنامج سياسي أو اجتماعي في فلسطين سوى المطالبة بالخلافة وتحريك الجيوش، كما أنه لا يطرح نفسه كخيار ينافس الخيارات الأخرى بما فيها الحركات والفصائل الإسلامية التوجّه، ولا تعنيه كل مفردات السياسة التي نتحدث بها كإنهاء الانقسام او الانتفاضة أو القانون الأساسي والحريات العامة، ويستعيض الحزب عن كل هذا النقاش بثلاث آيات كريمات وردت في سورة المائدة هي : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ).
من الممكن أن نتعايش طويلا مع ظاهرة غريبة الأطوار كحزب التحرير، لا ينفع ولا يضر، فهو في النهاية خيار لأصحابه ومريديه ولهم الحق في اعتناق الفكر الذي يروق لهم، إلا أن الواقع يثبت لنا أن هذا الحزب ضارّ ومؤذٍ، ولا سبيل لمنع أذاه بالاعتقالات والحظر والاجتثاث، وإنما من خلال الممارسة الديمقراطية الحقة والمجابهة الفكرية، واضطلاع فصائلنا بدورها الوطني والاجتماعي المنتظر منها، فكل أزمات حركتنا الوطنية وفصائلها توفر مددا يوميا للظواهر العدمية ومنها حزب التحرير الإسلامي.
رابط رد حزب التحرير على مقال في الحدث