بعد النكبة، وبعد تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم، كان يأتي إلى أولئك المهجرين، أو يذهب إلى من ظلوا في بيوتهم، باعة متجولون كانوا يسمون بـ الحدارين، وكان أولئك الحدارين يتنقلون بين القرى والمناطق المختلفة لشراء الثوب الفلسطيني، وكانوا يشترونه بدينار.
ولم يكن السكان البسطاء يفهمون سبب اقبال هؤلاء الحدارين على شراء الثوب الفلسطيني المطرز، إلى أن عرفوا لاحقا أن بعضا من أولئك الحدارين كانوا مسيرين من قبل جيش الاحتلال لشراء وحيازة الثوب الفلسطيني الذي كان يشكل رمزا وهوية لتلك المناطق التي هجروا منها.
قبل أيام قليلة شاركت في فعالية نظمتها فتاة فلسطينية جميلة هي "لانا حجازي"، بفكرة بدأتها منذ ثلاث سنوات، كان على كل مشاركة أن ترتدي الثوب الفلسطيني الذي تمتلكه سواء كان لها أو ورثته عن أمها أو جدتها أو إحدى قريباتها، لم يكن الفخر وحده عنوان السعادة التي نقشت على جباهنا وإنما أيضا احساس عميق بأن لنا تاريخا لم نسرقه من أحد ونحاول الحفاظ عليه.
فمن ليس له تاريخ يشتري له تاريخا، هكذا يفعل الاحتلال، وهكذا فعلت ميري ريجيف وزيرة الثقافة في دولة الاحتلال التي ارتدت في افتتاح مهرجان "كان" السينمائي فستانا رسمت عليه صورة للقدس بمختلف معالمها التاريخية والدينية، محاولة إيصال رسالة للعالم أن هذه المعالم هي تاريخ دولة اسرائيل المحتلة لتاريخنا.
وهكذا يفعل المنقبون عن الآثار تحت الأقصى، وفي القدس وفي كل بقعة من فلسطين التاريخية، وفي محاولة لإيجاد أي صلة أو رابط أو تاريخ لهم في هذا المكان، وهكذا فعل طيران العال الاسرائيلي الذي اضاف لزي مضيفاته التطريز الفلسطيني ليمنحه شيئا من الأصالة والعراقة.
في مقابل كل ما يحاول الاحتلال فعله ثقافيا وسياسيا، يظل الفعل الثقافي الفلسطيني ضعيفا وباهتا، في ظل غياب رسمي واضح لأداء ثقافي وسياسي يحافظ على هويتنا وتاريخنا من السرقة.
هكذا هم يحاولون شراء تاريخنا بدينار، وهكذا نظل نتجول في تاريخنا بلا معالم تهدينا إلى الطريق الصحيح لاستعادته، فنعيد تكرار ما فعله الحدارون الأوائل، نبيع تاريخنا بدينار.