الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مع بدء العام الدراسي| قبل قرع الجرس .. تلطخ آذانهم الصغيرة

2017-08-23 09:47:40 AM
مع بدء العام الدراسي| قبل قرع الجرس .. تلطخ آذانهم الصغيرة
أطفال فلسطين (ارشيف الحدث)

 

الحدث- ريم أبولبن

 

مر عام كامل ولم يتوقف الحديث عن مديرة المدرسة التي تستيقظ صباحاً في أول يوم من العام الدراسي لتوقظ مجدداً طاقة تثقل همم الطلبة بعد عطلة صيفية . صحيفة "الحدث" نشرت هذا المقال في العام الماضي مسلطة الضوء على اقتناء المصطلحات التي تحبط من عزيمة الطالب. 

 

قد يجابهني أحدهم بضحكة ويقول لي: "لا حاجة لسكان الحي للساعة، فمديرة المدرسة هي المنبه في كل صباح".

 

أبناء الحي لا يكترثون لاسمها ولا حتى ملامحها، وما يقلقهم ويقلق أبناءهم هو صوتها الحاد والمرتفع، إذ أن خامته قد تسبق الساعة الثامنة إلا ربعاً، أي قبل موعد دق جرس المدرسة، حينما يتم إشباع الطلاب عبر"المايكرفون" بكلمات تترك أثراً في نفوسهم وتفكيرهم، وقد تتسلق هذه الكلمات والمصطلحات فجأة إلى عقولهم لتذوب لهفة قد اقتنصها "محمد" للتسابق مع زميله والاصطفاف ليردد النشيد الوطني.

 

هو يحرِّك شفتيه مستبقاً النغمة، ويحاول ببراءة أن يقنع ذاته بأنه قد حفظ النشيد الوطني وقد يتلعثم بذكاء، وهي تنظر خلسة إلى يدها اليسرى، حيث استغنت ليلة البارحة عن قصة ليلى والذئب، لتشغل وقتها قبل النوم بكتابة كلمات قد تنساها من الأنشودة اليومية.

 

وعلى يديها كتبت، وغنت "السناء والبهاء والجلال والجمال". وفي واقع الأمر قد لا تدرك "خربشة" المقطوعة ذاتها، ولكنها تدرك أنها سعيدة وأتقنت تلك "الخربشة". وفي تلك اللحظة وأثناء انغماسها بقراءة ما كَتبت على يدها، أذيع على مسمعها عبر الإذاعة المدرسية: "إللي مش عارف يغني ما يغني ... أكمّن مرة حكيت؟"

 

توقف النشيد، وعتاب مديرة المدرسة للطلاب لم يتوقف، وترتفع حدة الصوت مجدداً، وقد تقترب من "المايكرفون" أحياناً لتبدأ بالصراخ بأعلى صوتها وبلوم الطلاب مع ذكر الاسم والفعل وتقول: "أميرة ليش لابسة جكيت أحمر؟"، "اسماعيل مش نايم، شكلك سهران على الفيس بوك"، "ربطة الشعر باللون الأبيض... غيره ما بدي"، "اللي مش لابس مريول المدرسة يصف على جنب الطابور"، " اللي بحكي يسكت"، " حمزة ناديلي ولي أمرك بكرة "، " أنت مقصر"، " جيهان ليش بترمي الورق على الأرض في الاستراحة".

 

كلمات وجمل قد تدق عالماً وجيلاً بأكلمه يحاول أن يخطو خطواته الأولى تجاه التعلم، وإدراك قدراته الذاتية، واكتساب مصطلحات "إيجابية" تنمى من ثقته بنفسه لا أن توصمه "بالفشل" وأن تمنعه من الوقوف على ناصية الحلم.. ليفكر!

 

كلمات تذاع إلى مسامعهم قبل أن تدق أقدامهم عتبة الصف لبدء يوم دراسي جديد، وقبل أن تفتح أبواب الكراسة الملونة، حتى أن سلة المهملات الصفية لم تملأ بعد ببقايا أقلام الرصاص المبرية، والتي قد تعبت من كثرة التحايل على طفل يملك موهبة لرسم ملامح إحدى المعلمات، والتي يصفونها في أحد الصفوف الابتدائية بـ "سنفور غضبان".

 

قد يقول القارئ لذات الرسالة، لماذا كتبت؟! حينها أعود به إلى سنوات ماضية حينما كان يستقبل الحصة المدرسة بضحكة قد لا تفارق محياه، وقد يلوث زيه المدرسي في لحظة "مشاكسة" مع زميله، ويقال له: "اتِّسخ لتتعلم".

 

الإذاعة المدرسية قديماً هي ذاتها الآن، حتى أن "المايكروفون" لم يصدأ بعد، وما تغير هي فقط الكلمات والمصطلحات، وطريقة تمريرها لعقول الأطفال. لم أصبحنا إذاً نستمع لجملة مفادها بشكل صريح: "لماذا تنجب بعض المدارس أطفالاً معقدين نفسياً؟"

 

في الساعة العاشرة صباحاً قد تكتمل الحكاية، عندما اقتربت من الطفل "جميل" البالغ من العمر( 10) سنوات والذي كان يتكئ بكلتي راحتيه على سيارة "فخمة" حسب ما وصفها، بعد أن تعب من حمل الأكياس الكبيرة ونقلها من محل تجاري إلى آخر.

 

وفجأة، وحينما حاول استباق الوقت لحمل كيسين معاً، التقط السيجارة من جيب رب العمل ليشعلها على الملأ وحينها قد أخطأ بعمل دوائر دخانية كما يفعل "البالغون". وبتعبٍ نظر إليَّ خلسةً، وقال لي: "مش ضروري تعرفي شو بعمل، اسأليني ليش هيك عملت؟"

 

قال: "كانوا يحكولي فاشل بالمدرسة وكل ما أغلط بالحساب بنضرب، وكان عندي مشكلة كيف أكتب حرف (م).. كنت أكتبها بالشقلوب، الكل كان يتهزّى عليّ عشان بلبس بوت أخوي لكبير، المدير حكالي جيب ولي أمرك، وإللّي هو أبوي.. وما بِعرَف إنه أبوي متوفي..تركت المدرسة واشتغلت .....وهون ما حد بضربني... بس الناس محسستني إني غلطان بحقهم".