لقد عادت بي رواية عزازيل ليوسف زيدان، الى القرن الخامس عشر للميلاد، لأعيش عبر صفحاتها الخلافات اللاهوتية المسيحية حول طبيعة المسيح ووضع السيدة العذراء، والاضطهاد الذي قام به المسيحيون ضد الوثنيين المصريين في الفترات التي أضحت فيها المسيحية ديانة الأغلبية المصرية. وقد تجلى ذلك في أكثر من حدث من أحداث الرواية إلا أن عملية التعذيب البشعة لعالمة الرياضيات هيباتيا وقتلها المروّع على يد الجموع المهتاجة من المسيحيين بعد أن ألهبتهم خطبة كيرُلس، قس الإسكندرية، واقتباسه لقول المسيح، عليه السلام: ما جئت لألقي في الأرض سلاما، بل سيفا! كان الأقسى.
عندما يقرأ القارئ الصفحات الثمانية التي خصصت لوصف عملية تعذيب هيباتيا (من صفحة 191- 199)، لا بد له أن يتوقف لبرهة من الزمن مفكرا ومقارناً، بين ما حدث من اضطهاد وتعذيب في القرن الخامس عشر للميلاد باسم الدين، وبين مع ما يحدث اليوم، وباسم الدين أيضا.
عزازيل، والتي تعني الشيطان، هي رواية تحكي السيرة الذاتية لراهب مصري، يدعى "هيبا"، والذي كتبها بدعوة من عزازيل ( كما جاء في الرواية) باللغة السريانية على ثلاثين من الرقوق، حفظها في صندوق خشبي ودفنه في منطقة تقرب من مدينة حلب السورية، حيث كان يقطن في أيامه الأخيرة في دير يقرب منها. وهيبا، هو الاسم الذي أطلقه هذا الراهب الصعيدي، والطبيب والشاعر على نفسه بعد رؤيته لمشاهد التعذيب والقتل المروع لعالمة الرياضيات والفلسفة، هيباتيا، والتي كان يقدرها ويحترمها، حيث أخذ هيبا الحروف الأولى من اسمها لتكون اسما له.
من الجدير ذكره أن هيبا، بطل الرواية، لم يخفِ عن القارئ، تفاصيل رحلته منذ خروجه من بلدته في صعيد مصر الى الإسكندرية ثم توجهه الى الشام مرورا بالقدس ليقرر بعدها الاستقرار في دير في منطقة حلب السورية، فقد تحدث هيبا عن زهده وروحانيته، وعن زلاته وانحداراته الشهوانية أيضا من خلال الأيام القليلة التي عاشها مع الوثنية، "أوكتافيا" السكندرية، كما وباح بحبه للفتاة "مرتا"، منشدة الترانيم.
رواية عزازيل، عمل مبدع مكتوب بلغة راقية، ذات حبكة رائعة وشائقة، لذا، أنصح بقراءته والتمتع والاستفادة من بليغ ما جاء فيه.
من بين الجمل التي حازت على إعجابي في الرواية:
- احزني قليلاً يا ابنتي، فالحزن شأن إنساني، وسوف يتبدد حزنك مع الأيام، مثل شؤون الإنسان.
- لا يوجد في العالم أسمى من دفع الآلام، عن إنسان لا يستطيع التعبير عن ألمه.