الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المقلوبة وأمور مقلوبة

2017-08-27 10:44:57 AM
المقلوبة وأمور مقلوبة
رولا سرحان

 

أشهى مقلوبة تلك التي يُعدها والدي. عندما تحاول امي خداعنا يوم جمعة ما وتقول ان والدكم هو من طبخ المقلوبة، فمن السهولة بمكان أن نكتشف خدعتها البريئة، لأنها مهما احترفت، لا يمكنها أن تطهو مقلوبة كتلك التي يطبخها أبي. وفي أية عزومة، يكون طلبي الأول ألا يطبخ أحد المقلوبة، لأنها مهما كانت لذيذة، لن تكون ألذ من مقلوبة والدي.

 

صديقي الشيف حاتم حسن، قال لي إن أصل المقلوبة انتشر في المدن الساحلية أولا، حيث كان سكان المدن يعتمدون في طعامهم على صيد الأسماك، وكانت تسمي الصيادية كونهم كانوا يطبخونها مع السمك، ثم انتشرت بين أهالي المناطق  الجبلية باستخدام الدجاج بدلا عن السمك.

 

المقلوبة اليوم تركية، يقدمها أيضا الأتراك مع موزات الضأن، ويقدمونها بينما يتدخلون في شؤون دول عربية كثيرة، استعادة لأمجاد ماضي عثماني وعد اردوغان بإحيائه مع نهاية 2023.

 

المقلوبة أيضا تذكرك بقانون الجرائم الإلكترونية، لانه يشبه كل شيء إلا الغاية التي باتت الدول حديثا تسنه لأجلها، فهو تماما مثل مقلوبة مخبصة، طبختها سيدة تتعلم الطهو حديثا رغم سهولتها.

 

معلومة اخرى عن المقلوبة قالها لي الشيف حاتم، إنها كانت تسمى بالباذنجانية، قدمها أهل القدس للقائد صلاح الدين الأيوبي وجنوده يوم فتح القدس احتفالا بالنصر،  وعندما أكل صلاح الدين منها أعجبته كثيراً فسأل عن اسم هذه الأكلة التي تقدم (مقلوبة)، فقالوا له باذنجانية، لكن منذ سماها صلاح الدين "المقلوبة" ظلت كذلك، مقلوبة، تماما مثل رواية بين يدي أقرؤها الآن بعنوان "كتاب صلاح الدين"، تروي حكاية وقصة صلاح الدين بطريقة مقلوبة تماما عما نعرفه عنه، فهي تصوره زير نساء، وخائن، تغويه خادمة زنت، ولا أعرف سبب قيام الكاتب "طارق علي" بتشويه صورة صلاح الدين رغم أنه قال في بداية الرواية ان شخصية حليمة، التي أغوت السلطان، هي شخصية خيالية.

 

أما الشيف حاتم، فهو يرفض أن يأكل المقلوبة، او أية اكلة أخرى في مطاعم هذه المدينة الجميلة، التي سماها كثيرون فقاعة أوسلو، لأن واجهة المطعم لا تشي بمطبخه المتسخ، ولا تشي بغياب وزارتي الصحة والسياحة عن الكشف الدوري على تلك المطاعم الأنيقة التي يرتادها علية  القوم وسادتهم وساستهم رغم أننا نتبجح كثيرا ألا سادة لنا.

 

في مرة من المرات، أسرَّ لي ناذل المطعم عندما وقعت الشوكة من يدي على الأرض، وطلبت استبدالها فقال لي كثيرٌ منا لا يغسل الشوكة، ولا يقوم باستبدالها عندما تقع من الزبون على الأرض، وإنما نتظاهر بأننا قمنا بذلك، وهذا يعتمد على تعامل الزبائن معنا.

 

وهذه وجهة نظر مقلوبة في الأخلاق وفي التعامل وفي أسرار المهنة.

 

لكن في نهاية الأمر تظل حال البلد وحالنا مقلوبة ومقلوبة مخبصة!