3500 دولار ثمن الموت من أجل حلم الهجرة إلى أوروبا
«صافرة» تنقذ أماً وأطفالها من الموت غرقاً في المتوسط
القاهرة- بهاء الدين محمد
في حلقة جديدة من معاناة الشعب الفلسطيني، يعيش 8000 لاجئ فلسطيني - على الأقل وفقاً للسجلات الرسمية - في معاناة مستمرة في مصر منذ عودتهم من مخيماتهم في سوريا التي تحولت إلى جحيم بسبب الاحتراب الداخلي. فمنذ الشهور الأولى من العام الجاري الذي شارف على نهايته ما تزال مشكلاتهم تتفاقم إلى حد دفعهم للمخاطرة بحياتهم من أجل الهجرة غير الشرعية التي أودت بحياة الكثيرين منهم وزجت بالناجين بين مصيرين كلاهما مر وهما: إما العودة إلى سوريا أو السجن والتشريد في مصر.
«مئات من الأطفال والنساء والشباب الفلسطينيين حملتهم مراكب صغيرة متهالكة وقذفت بهم إلى الموت على شواطئ أوروبا ليقدم كل منهم حياته ثمناً لأمل زائف بالهجرة إلى أوروبا، بالإضافة إلى آلاف الدولارات مقابل الموت غرقاً أو النجاة كسجناء في أقسام الإسكندرية». هكذا لخصت طفلة ناجية قصة معاناتها ومعاناة المئات مثلها خلال احتجازها بقسم «كرموز» بمحافظة الإسكندرية المصرية.
الهروب من جهنم إلى الجحيم
يقول محمد، الشاب العشريني إنه هرب من «جحيم» الحرب الدائرة في سوريا لينتهي به المطاف داخل حجز قسم «إدكو» بالإسكندرية بعد أن شاهد الموت بعينه. ويروي محمد حكايته لـ “الحدث” قائلاً: «جئنا إلى مصر بعد أن تهدمت وأحرقت بيوتنا ومخيماتنا في سوريا، لكن منذ وصولي للقاهرة والشباب يحاولون بكل السبل إقناعي بالسفر لأوروبا رغبة في حياة أفضل، وبعد أن دفع كل منا 3500 دولار من أجل الهجرة إلى أوروبا، تعرضنا لعملية نصب في البداية تحولت لاحقاً إلى محاولة قتل عمدي على يد صاحب المركب الذي ظل يبحر بنا أكثر من 6 أيام في المياه رأينا خلالها الموت كل ساعة».
وفي مركب صغير لا تتجاوز مساحته 17 مترا طولاً في 4 أمتار عرضاً حاملاً أكثر من 140 سوري من أصل فلسطيني، لم تنته قصتهم كالمعتاد بغرق المركب، بل انتهت مغامرتهم التعيسة بإجبار قائد المركب لهم على القفز في المياه بالقرب من أحد الشواطئ المصرية بعد الاستيلاء على كل أموالهم ومتعلقاتهم الشخصية، ليتم القبض عليهم لاحقاً من خفر السواحل ويرحلون إلى قسم «إدكو» بمحافظة الاسكندرية.
ويتابع «محمد»: «فقدت كل أموالي وجواز سفري وشهادتي التعليمية، وكل شيء، ثم وجدت نفسي مكبل في أحد المعسكرات لمدة يومين ثم انتقلنا إلى قسم إدكو، والآن لا يمكنني أن أعود إلى سوريا أو أبقي في مصر بعد أن فقدت كل شيء».
صفارة الإنقاذ
تقول سيدة ناجية من الغرق - تحتفظ «الحدث» باسمها- أن معاناة أسرتها بدأت حينما دعاهم بعض الأصدقاء الفلسطينيين لرحلة بحرية إلى إيطاليا عبر المتوسط، مؤكدين لهم أن الرحلة قانونية وستكون من ميناء الإسكندرية حتى شواطئ أوروبا وتمر بكل الإجراءات القانونية مثل ختم الجوازات وغيرها، ولكن انتهت الرحلة بغرق جميع الركاب. وتقول السيدة في حديثها لـ “الحدث” في قسم الدخيلة: «نقتلنا حافلة إلى شاطئ مهجور في الاسكندرية حيث رأيت مشهد كيوم القيامة مئات الشباب من السوريين والفلسطينيين تبكيهم أمهاتهم قبل مغادرتهم إلى القوارب. ثم تحركنا في عرض البحر لدقائق وبدأ المركب يمتلئ بالمياه من كل ناحية، وفي لحظة واحدة وجدنا المركب ينقلب رأسا على عقب ملقياً بكل الركاب في المياه والجميع يصرخ ويدعو الله أن ينجيهم وينجي نحو 30 طفلاً كانوا معنا علي ظهر المركب الغارق، وبقينا في المياه لمدة ثلاث ساعات مات خلالها من مات إلى أن جاء مركب آخر لا نعلم من أين فأنقذ من تبقى منا، لنبدأ بعد ذلك رحلة جديدة من المعاناة في أقسام الشرطة».
وتابعت السيدة: «كنت آخر من خرج من المياه إلى مركب الإنقاذ، وانتظرت ساعة ونصف حتى جاء دوري للصعود على متنه مع ابني الذي كانت روحه قد بدأت تفارقه، وخلال 90 دقيقة كاملة كنت أصرخ واستخدم صفارة كانت مع طفلي بالصدفة للفت انتباه المركب الذي ظن راكبوه أنها صفارة خفر السواحل!».
الرئيس يأمر برعايتهم
أكد السفير الفلسطيني بالقاهرة الدكتور بركات الفرا لـ “الحدث” أنه منذ اليوم الأول لقدوم اللاجئين الفلسطينيين العائدين من سوريا أمر الرئيس محمود عباس بحصرهم وتقديم كافة المساعدات لهم، مضيفاً: «تواصلنا مع السلطات المصرية لمنحهم الإقامات والسماح لهم بدخول المدارس والجامعات، واتفقنا مع اتحاد الأطباء العرب ونقابة الأطباء والهلال الأحمر المصري ووكالات الأمم المتحدة المعنية لتوفير الدواء والغذاء لهم، وظهرت مشكلة الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط والآن تواجهنا مشكلة 116 حالة معظمهم من الأطفال والنساء محتجزين في أقسام الإسكندرية، وغير صحيحة الأنباء التي تناولتها وسائل الإعلام حول تعرضهم للتحرش داخل الأقسام، والسفارة تتكفل بتكاليف سفرهم لأي بلد أخرى يحصلون على تأشيرة دخولها».
وأوضح السفير أن القسم الإعلامي والثقافي بالسفارة الفلسطينية بالقاهرة يفتح أبوابه لهؤلاء يومياً من أجل الحصول على المساعدات اللازمة لكل حاجة وتسجيلهم ومساعدتهم في الحصول على الإقامات والتسهيلات اللازمة للحياة. مشيراً إلى أن هناك لجنة تشكلت خصيصاً داخل السفارة من أجل حل مشكلات «العائدين من سوريا» الذين وصل آخر حصر لهم إلى نحو 8000 فرد.
وحول جهود السفارة لمواجهة مشكلاتهم، قال «الفرا»: «تحدثنا مع الأجهزة المسؤولة في مصر لمنحهم إقامات والسماح لهم بدخول المدارس والجامعات وحُلت مشكلة التعليم والإقامة ولبت السلطات المعنية ذلك، وكذلك اتفقنا مع اتحاد الأطباء العرب ونقابة الأطباء لتوفير رعاية صحية لهم، وتواصلنا مع منظمة الأونروا والتقيت وفداً منها مؤخراً في مكتبي، وكذلك برنامج الغذاء العالمي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والصليب الأحمر الدولي من أجل رعايتهم، وتم صرف بونات لهم لصرف مبالغ لشراء مواد غذائية بدعم من برنامج الغذاء العالمي. ولكن واجهتنا مشكلة الهجرة غير الشرعية بحثا عن حياة أفضل وتعاونا مع الأجهزة الأمنية من أجل إيجاد حلول لهذه المشكلة ومتبقي عدد بسيط يصل إلى 116 حالة بأقسام الاسكندرية».
وفيما يتعلق بأحوال الأسر الأشد فقراً، أوضح السفير أن الأسر المحتاجة تقدم لهم السفارة دعماً شهرياً حسب احتياجاتهم يتكفل بها الصندوق القومي بناء على تعليمات الرئيس «محمود عباس»، مشيراً إلى أنه جرى الاتفاق مع منظمة «الأونروا» من حيث المبدأ على حل مشكلة العلاج حلا جذريا بالاتفاق مع الهلال الأحمر المصري وتم تحديد مستشفيات في القاهرة منها مستشفى فلسطين وفي مستشفى الشيخ زايد في مدينة 6 أكتوبر حيث أكبر تجمع للاجئين ومستشفى آخر في الاسكندرية لتوفير علاج مجاني عن طريق الاونروا بالتعاون مع الهلال الأحمر المصري.
وفيما يتعلق بمشكلة المحتجزين، قال «الفرا»: «الآن المشكلة التي تواجهنا هي 116 حالة محتجزين بأقسام الإسكندرية معظمهم أطفال ونساء، وهناك تواصل بيننا كسفارة وبين وزارة الخارجية المصرية والأمن الوطني والمخابرات لحل هذه المشكلة الإنسانية، كما عرضنا على المحتجزين تسفيرهم إلى أي بلد يتمكنون من الحصول منه على تأشيرة حيث ستتكفل السفارة بتذكرة سفرهم، بناء على آخر تعليمات للرئيس».
واستنكر السفير الفلسطيني الحديث الذي تداولته بعض وسائل الإعلام عن «تعرض بعض من إخواننا إلى تحرش جنسي ومعاملة سيئة، وقد كلفت السفارة فوراً وفدا من القنصلية الفلسطينية بالإسكندرية للتحقق من الأمر وتواصلوا مع إخواننا وأهالينا المحتجزين بأقسام الشرطة والذين أفادوا بأنه كلام مغرض وعار عن الصحة تماما، كما قمنا بالتواصل مع مدير أمن الاسكندرية الذي أجرى تحقيقاً توصل فيه إلى ذات النتيجة»، مضيفاً: «لو أن هذا الكلام صحيح فلم نكن لنصمت ومستحيل أن نقبل المساس بأعراضنا من أي طرف كان».
رد فعل المجتمع المصري
وسط حملات من التحريض الإعلامي ضد اللاجئين الفلسطينيين والسوريين باتهامهم بدعم جماعة الإخوان التي فقدت حكمها في مصر، أيقظت هذه الأزمة ضمائر النشطاء الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني المصرية التي أثارت القضية بشكل جعل وسائل الإعلام والأجهزة الحكومية تهتم بالقضية وتحاول إيجاد حلول لها. فقد قدم برنامج الإعلامي المصري يسري فودة حلقة كاملة عن معاناة الفلسطينيين العائدين من سوريا، فيما أعدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وغيرها من المنظمات تقاريراً عن الانتهاكات الحقوقية التي تعرض لها اللاجئون، فيما عدا ذلك بقيت السلطات المصرية تنظر للأزمة على أنها قضية أمنية وليست حقوقية بالمقام الأول.
أما المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة فقد أكدت على لسان السفير محمد الدايري مدير المكتب الإقليمي للمنظمة أنه غير مسموح لهم التعامل مع السوريين من أصل فلسطيني منذ بداية الأزمة؛ لأنه بحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية فإن المنظمة المسؤولة عن التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين هي وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الاونروا».
حقائق وأرقام
-3000 أسرة من اللاجئين قامت بتسجيل نفسها لدى السفارة الفلسطينية بالقاهرة وقنصليتها بالإسكندرية بما يصل إلى نحو 8000 فرد.
-منهم 2100 أسرة في القاهرة و900 أسرة في الإسكندرية
-مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة هي أكثر أماكن تجمعهم تأتي بعدها أحياء الهرم وفيصل ومدينة نصر والقاهرة الجديدة ومدينة الشروق.
-تحصل كل أسرة عند تسجيلها على مساعدة مالية لمرة واحدة تصل قيمتها إلى 500 جنيه للزوج و500 للزوجة و100 لكل طفل.
-تحصل 1000 أسرة على «كوبونات» مساعدات غذائية من خلال الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي بقيمة 200 جنيه لكل فرد شهرياً لشراء الغذاء فقط.
-يحصل عدد قليل من الأسر (كبار السن – الأرامل - المرضى) على معونات مالية شهرية.
-تساهم السفارة في حصول بعض الأسر الأشد فقراً على بعض الأجهزة الكهربائية والأثاث.
-تتكفل السفارة الفلسطينية بتكاليف سفر اللاجئين للعودة إلى سوريا فقط أو لبنان في حالة وجود أسر لهم هناك.
-شهد شهر مايو 2013 اعتصاما واسعا للاجئين أمام السفارة الفلسطينية مطالبين بالحصول على تلك المساعدات.
-تفاقمت أزمة الهجرة غير الشرعية بعد أحداث 30 يونيو في مصر وخاصة خلال شهر أكتوبر ونوفمبر الماضيين.
-وفقاً لآخر إحصاء للسفارة تبقى 1000 أسرة في القاهرة بتعداد حوالي 3500 فرد و250 أسرة في الإسكندرية بتعداد حوالي 700 فرد، والبقية عادوا إلى سوريا أو تمكنوا من الهجرة لبلد آخر