أَعاد مقال "الحكومة وخُرْجُ السلطة ... ودرجة وزير" نقاشا حصل قبل عشر سنوات، اي عام 2004 عندما أقر المجلس التشريعي قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم (11) لسنة 2004، حول فلسفة تقاعد الوزراء والنواب والتكلفة المالية لتقاعدهم، وطريقة تعامل السلطة مع الخزينة العامة "بيت مال الفلسطينيين".
حيث ضَرَبَ هذا القانون بعرض الحائط اسس نظام التقاعد، المتعارف عليها عالميا، القائم على اساس الدفع المسبق لاستحقاقات مستقبلية، أي الدفع في زمن الشباب لتأمين شيخوخة آمنه أو "خبي قرشك الابيض ليومك الاسود"، بالإضافة إلى ان هذا الدفع ينبغي أن يكون لعدد من السنوات باعتبارها حدا أدنى للحصول على هذا الاستحقاق؛ في فلسطين اتفقوا قانونيا على ان يكون خمسة عشر عاما على الاقل للحصول على تقاعد الشيخوخة.
كلا الحالتين لا تنطبق على تقاعد الوزراء والنواب؛ فالموظفون يدفعون من رواتبهم 10% شهريا للتقاعد، بعد العام 2005 يدفعون 7%، لكن الوزراء النواب لا يدفعون أو لا يساهمون في تقاعدهم بأي نسبة من مكافآتهم. والأمر الاخر حصة التقاعد للنائب كانت هائلة 12.5% من المكافئة عن كل سنة يقضيها في النيابة، أي بأربع سنوات يحصل على 50% من راتبه. اما الوزير فيحصل على 20% من المكافئة عن كل سنة يقضيها في الحكومة أي بأربع سنوات يتحصل على 80% من راتبه، فيما الموظفون العامون يحصلون على 2% عن كل سنة يقضونها في الخدمة العامة أي بثلاثين سنة يحصلون على 60% - 70%من رواتبهم.
لكن الادهى من ذلك، جاء نص غريب فيما يتعلق بتقاعد "السياسيين" تمثل بقاعدة "آمرة" نصت على "يجب أن لا يقل الراتب التقاعدي لكل من رئيس المجلس أو عضو المجلس أو رئيس الوزراء أو الوزير أو المحافظ عن (50%) من الراتب الشهري أي كانت المدة التي قضاها أي منهم في ذلك المنصب". مما منح الوزير الذي يمكث يوما أو عدة ايام بعد حلفه اليمين الدستوري راتبا تقاعديا يعادل 50% من راتبه "المكافئة". وهي فعلا حصلت على الاقل لمرة واحدة، ربما هذا النص لم يكن ليثير مشكلة مع الوزراء القادمون من حقل السياسية والعمل السياسي الذين يمكثون طويلا في الحياة السياسية، لكن مع كثرة حكومات التكنوقراط خلال السنوات العشر الاخيرة، بات الامر مرهقا على الخزينة العامة أو على جيوب دافعي الضرائب الفلسطينيين.
فاذا كان التعامل مع الخزينة العامة باعتبارها "خُرْجٌ" للحصول على تقاعد للسياسيين في أغلبهم أمضوا سنوات طويلة في العمل الحزبي والسياسي أو أفنوا معظم حياتهم في العمل الوطني مشكوكا في شرعيته قبل عشرة سنوات، فبالتأكيد أن إدراج مشروع قانون يتعلق بتقاعد الذين يعينون بدرجة وزير" بعض المستشارين ورؤساء المؤسسات الوزارية غير الحكومية" على جدول اعمال مجلس الوزراء ليس فقط غير شرعي بل هو غير قانوني.
بالإضافة الى أنه يتعامل مع الخزينة العامة كونها "خُرْجٌ" يُغْرَفُ منه دون حساب، ودون احتساب للالتزامات المالية اللاحقة على السلطة الفلسطينية. كما أن البند المدرج على جدول اعمال مجلس الوزراء هذه الايام يحمل "شبهة" استغلال المنصب العام، وهدر المال العام بالإضافة.
هذا الامر يتطلب حلا يصحح الاعوجاج في احكام القانون الخاص بتقاعد الوزراء والنواب والمحافظين، ويزيل العوار القانوني، ويحترم المبادئ الفلسفية لنظام الضمان الاجتماعي، ويلتزم بأُسس وقواعد نظام التقاعد العام في دولة فلسطين من جهة، ويمنع استسهال اهدار المال العام بفرض التزامات مالية غير مستحقة، ويحافظ على الاموال العامة وبيت مال الفلسطينيين "الخزينة العامة"، ويضمن الاستدامة المالية لخزينة الدولة وفي الوقت نفسه ضمان انفاق اموال دافعي الضرائب لتحسين الخدمات العامة بدلا من انفاقها على سياسيين أو تكنوقراط سابقين من جهة ثانية.