الحدث- ريم أبو لبن
كتبت احداهن في مقدمة الكتاب: "كنا عشر نساء مجتمعات حول طاولة في قاعة صغيرة برام الله. ثماني أسيرات فلسطينيات من مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، محررات من سجون الاحتلال، وكاتبة لم تمر بمحنة الأسر إلا أنها تعرف جيداً معنى أن تكون أسيرة في بلادها وهي خارج جدران السجن".
هكذا كانت بداية حكاية الأسيرات والتي لم تنتهي بعد، فقد أوصدت أبواب السجون في وجوههن لسنوات طوال ولكنها لم توصد بوجه أقلامهن الرافضة والتي أرادت الاحتفاظ بتلك التفاصيل الصغيرة التي تدور داخل المعتقل الإسرائيلي، والتي لا تدركها سوى النساء اللواتي وصفن بـ" الثائرات" في كتاب يضم مجموعة قصصة بعنوان "حفلة لثائرة".
كتاب "حفلة لثائرة" نشر في لندن عام 2016 وبإشراف وتحرير الكاتبة والروائية العراقية هيفا زنكنة حيث ضم الكتاب قصص الأسيرات المحررات من مختلف الأحزاب واللواتي وثقن تجاربهن في الاعتقال والصمود على مدار سنوات متعاقبة، إذ أن ما كان يقال في عام 1987 عن أساليب الاعتقال والمعاملة داخل السجون الإسرائيلية هو مختلف كل الاختلاف عن يومنا هذا. فهناك فارق في الزمن والحالة.
الكاتبة زنكنة قد سجنت لدى حزب البعث في أوائل السبعينات وقد أفلتت من عقوبة الإعدام، غير أنها عملت في منظمة التحرير الفلسطينية كمديرة لوحدة الصيدلة بعد خروجها من السجن.
نشر في لندن . ماذا عن فلسطين؟
الكتاب نُشر في لندن ولم ينشر في فلسطين بعد، لاسيما وأن النساء الأسيرات المحررات واللواتي شاركن في كتابة القصص قد أكدن لـ"الحدث" وبعد الحديث المباشر مع وزير الثقافة د. ايهاب بسيسو بأنه سيتم اعادة نشر الكتاب في فلسطين بعد الحصول على موافقة الناشر.
وقالت الأسيرة المحررة مي الغصين كاتبة قصة "الحنين" و "رقصة المطر" : " وزير الثقافة وعدنا بأنه سيتم نشر الكتاب بعد الحصول على موافقة الناشر، لاسيما وأننا تواصلنا مع الكاتبة هيفاء زنكنة من أجل الحصول على الموافقة من قبل الناشر".
في ذات السياق، أكد مدير عام الآداب والنشر والمكتبات في الوزارة عبد السلام العطاري لـ"الحدث" بأنه لم تصله أي رسالة رسمية تفيد بمطلب أو اعادة نشر الكتاب . وقال :" بكل تأكيد ان حصلنا على موافقة الناشر سيتم إعادة نشره ولا مشكله في ذلك".
القارئ لسطور كتاب "حفلة لثائرة" والذي خط بأقلام النساء الأسيرات قد يتغاضى كلياً عن الأخطاء الإملائية والنحوية التي طالت النص، ليبدأ جولة البحث عن حقائق غير مكشوفة للعلن، ومن يسردها هن بطلات تلك المرحلة، فمنهن من تركض تحت المطر، ومن تسرد حكاية ولادة أمل داخل السجن، ومن تعود بنا لعام 1948 حينما كانوا يحتفظون بالملابس داخل "البقجة"، وقصتها مع " البقجة" حكاية اخرى، وهناك من كشفت النقاب عن وجهها أثناء زيارة ابنها حتى يتعرف عليها داخل السجن.
قالت الأسيرة المحررة مي الغصين : "دائماً ما يصورون الأسير في رواياتهم على أنه بطل خارق، ولكن نحن كنساء قد جردناه من ذلك وأظهرناه على حقيقته بما فيه من ضعف وانكسار، ولكن لم ننس ذلك الأمل الذي يحيط بنا داخل السجن".
" حفلة لثائرة" في البدايات
وفي الحديث عن بدايات اصدار كتاب "حفلة لثائرة" حتى انتج بصورته الحالية، قالت مي: " في عام 2015 أعلنت مؤسسة تامر عن انعقاد دورة تدريبة في كتابة السيرة الذاتية وبحضور المدربة العراقية هيفاء زنكنة، لذا شاركنا في هذه الدورة وكانت تضم أسيرات محررات قد سجن في السجون الإسرائيلية في اواخر السبعينات والتسعينات وحتى الاسيرات الجدد قد شاركن فيها".
أضافت: "عقدت هذه الدورة على مدار 3 لقاءات، حينها أكتسبنا المهارات الأساسية في الكتابة الابداعية وانجزنا النصوص المطلوبة، وهي بدورها قامت بتحرير هذه النصوص ووضعها ضمن مجموعة قصصية في كتاب صدر عام 2016 في لندن".
ليس احتفاء بالبطولة وإنما..
الاحتفاء بـ "الثائرة" بين سطور الكتاب لم يكن احتفاءً بقوتها وبطولتها وتحقيقها انتصارات كما يذاع لدى البعض وكما يكتب في الروايات، وانما هو احتفاء بالإنسانية وتصوير الأسير في حالة ضعفه وانكساره، فهو يصارع البقاء داخل هامش ضيق لا يرى فيه النور.
قالت مي: "ما يميز هذه المجموعة القصصية هي تضمينها لتجارب وحكايات قد حدثت مع الأسيرة الكاتبة، لاسيما وأن هذه التجارب قد اختلفت من جيل لآخر، وضم كذلك النساء الأسيرات من مختلف الأحزاب وفي كتاب واحد".
هن فلسطينيات يكتبن للحياة، ويجسدن شهادات قصيرة في "حفلة لثائرة" وأي ثائرة؟ تلك التي تكونت ملامحها في شهادات قصيرة قد نجدها في قراءة لإحدى القصص المكتوبة ومنها "طفلة لخمس وعشرين أماً"، هذه الطفلة التي ولدت لأم أسيرة داخل المعتقل، حيث تحوّلت الأسيرات الخمس والعشرون إلى أمهات لهذه الطفلة المسماة "ثائرة".