ردني إلى كل ما كان
إلى جبل من ياسمين قبل الأرض والزمان
ردني إلى كل حلم ونجمة،
إلى بلد القصائد بعد السفر والألحان.
يا قمرا في الليل تحاصره الممكنات،
ردني إلى بيتي القديم على
باب الشمس والأغنيات،
ردني إلى لغتي وإلى حاضري
إلى غدي المنتظر المسلوب مني
إلى كل بقاع الحنين لأنها مني،
إلى شجر الصنوبر والبلوط،
ردني إلى عذوبة الأشياء قبل
اكتشاف تفاصيلها
وإلى الصدى.
غادرني المكان ولم يحفل
بوردة متروكة تساورها الأمنيات.
تقول لنا الحياة أن لا حياة بعدها،
لا مكان للضجر ولا وقت للأمسيات.
من لم ير الفجر لم
يعرف الحياة مطلقا
حين يلامس شعاع النور
قمم الجبال وقعر البدايات!
هي السماء كوخنا الأكبر،
فيها تصورات عما وقع
فيها الفكرة والمساحة
وكل الأحجيات.
وجلجامش ذلك الواقف
على عتبات الوجود،
على بداية التاريخ ونهايته
يتأمل الخلود ولا يدركه،
لن يحصل على انتصاره أبدا
وهل هناك حقا خاسر
ورابح في لعبة الأبدي؟
لو أنه لم يطمح إلى الخلود،
لو أنه استنفذ ممكنات الوجود بدلا
لما كان حيا إلى الآن، لما كان
أسطورة، بل لكان حرا
من كل ما كان.
ولو أنه لم يحمل عبء الأبدية،
لما عرف يوما أن سر الحياة
هو الموت، هو مفتاحها
وسببها الوحيد، ولما كان
فيها ضحية!
هو الماضي أقرب إلينا
من المستقبل، فيه
الذكرى البسيطة،
فيه العاطفة والندى
وفيه كل الموسيقى
ردني إلى الذكرى،
ردني إلى ماضيَّ لعلي
أغيره، أو أبقيه على ما كان،
ردني إلى أملي وكنت قد
عرفت الأمل قبل الآن.
أنا وآخَري لربما نصير يوما
واحدا في زاوية كون من الأكوان،
لربما نصير يوما واحدا
لعله يعرفنا دون تردد
ذاك المكان!