يوما بعد يوم تتعزز الحاجة الماسة في الوسط الإعلامي في الاراضي الفلسطينية الى وقفة جدية من قبل القائمين على المؤسسات الاعلامية نحو الزام الصحافيين والصحافيات لديهم بقواعد العمل الإعلامي وذلك لمواجهة حالة التخبط المعلوماتية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني نتيجة تغول المعلومة القادمة عبر صفحات الانترنت دون رقيب او حسيب ودون اكتراث من ناشرها بصدق المعلومة او عدمه.
وليس السكوت المهني الذي تمارسه وسائل الاعلام المختلفة والمعروفة ( المكتوبة او المرئية والمسموعة ) هو الحل الوحيد الذي تنتهجه عند اثارة اي قضية مجتمعية كانت او سياسية، وليس طبعا الوقوف الى جانب الرواية الرسمية التي تقدمها السلطة هو الحل المثالي الاخر ، بل على العكس تماما فان خيار السكوت والصمت وكذلك الوقوف الى جانب الرواية الرسمية، إنما يسهم بشكل كبير في تعزيز سطوة المعلومة القادمة للمتلقي عبر صفحات الانترنت، وبالتالي إسهام غير مباشر في بعثرة أفكار الرأي العام الى درجة مقيتة.
المتحدث الرسمي باسم الأجهزة الأمنية اللواء عدنان الضميري قدم رواية رسمية حول وفاة الشابة نفين عواودة، وهذا من واجبه وواجب السلطة بأجهزتها المختلفة، بغض النظر عن صدقية ما تضمنته الرواية من عدمه، والشيء الطبيعي ان تخرج أصوات رافضة لهذه الرواية، عبر صفحات الانترنت، من بعض الناس الذين يتربصون لكل صغيرة وكبيرة تخرج عن السلطة، وهم جاهزون امام اجهزتهم الالكترونية للنشر كل ثانية، وهذا أيضا يمكن القول عنه انه شيئا عاديا وليس غريبا .
الفاصل الاعلامي ما بين هذا وذاك، هو ما لدى وسائل الاعلام المختلفة( المعترف بها) من معلومات يجب ان تكون بحوزتها وائتمنها عليها الرأي العام الذي عينها عليه سلطة رابعة.
ولا اتفق مع الضميري حينما يدخل في سجال عبر الانترنت حول ذات القضية يحاول الرد على رافضي الرواية الرسمية للسلطة، لان الضميري يجب ان يكون متأكدا بان هناك نسبة كبيرة جاهزة لتكذيب اي رواية رسمية ولو جلس الى جانبيه اثنين من الملائكة، وهو غير ملزم بفتح سجال ونقاش عبر صفحات الانترنت طالما نشر الرواية الرسمية بشكل رسمي.
غمز الضميري خلال المؤتمر الصحافي، وقد يكون السبب خلفيته الاعلامية، الى امنياته " ان يكون هناك عمل استقصائي اعلامي" حول تفاصيل القضية، وكأنه يسأل من تحت الطاولة " أي وسائل الاعلام المعترف بها في التحقيق حول القضية؟".
المنطق الاعلامي يقول انه عندما تثار أي قضية في الرأي العام ، على السلطة القائمة ان تقدم روايتها ، وعلى الاعلام المجتمعي، الممثل للرأي العام اما تعزيز هذه الرواية او تقديم رواية مختلفة قائمة على حقائق وتحليلات منطقية ومبنية على عمل مضني يقارب العمل الذي تبذله اجهزة السلطة، ولا اعتقد ان هذا الامر يضير السلطة اذا حظي بأصول مهنية دقيقة وبالتالي ثقة الشارع.
المعركة الاعلامية القائمة في مجتمعنا باتت اليوم بين رواية السلطة ومناصريها ورواية الانترنت ومؤلفيها ، وهم كثر، في حين يقف الاعلام ( المعترف به ) خجولا وخائفا ومنتظرا لمعلومة علها لا تزعج احد.
فاذا بقيت وسائل الاعلام ( المعترف بها ) وهي وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية الواضحة المعالم من حيث التراخيص وإدارات التحرير، اذا بقي همها المحافظة على استقطاب الإعلانات وتغييب المعلومة التي تهم المجتمع، فليس هناك ضرورة لوجودها او بالأحرى لتحافظ على صبغتها التجارية وليس الاعلامية المجتمعية.
واذا كان الحديث عن وسائل إعلام معترف بها وإدارات تحرير مهنية محترفة فان دورها الرئيسي هو المساهمة في تغيير المجتمعات على أسس سليمة من حيث وضع الرأي العام في حقيقة الامور، وفق قواعد إعلامية مهنية، وهو ما سيؤدي بالضرورة الى ارتفاع نسبة الثقة المجتمعية بالإعلام المعترف به وتقليل نسبة المتتبعين للأخبار الواردة من صفحات الانترنت .
وان كانت اخبار الانترنت القادمة من صفحات شخصية تزعج السلطة بأجهزتها المختلفة فان مصلحتها المجتمعية تكمن في تعزيز دور الاعلام المعترف به، من خلال علاقة مهنية قائمة على أساس احترام هذه المؤسسات والعاملين فيها، بل وإشراكهم بشكل مهني في المعلومة حينما تشغل بال الرأي العام، وهذه الشراكة ليس على قاعدة ( انشروا ما نبعث لكم) وإنما على قاعدة ( هذا ما لدينا وانتم ابحثوا عما لديكم).
لا يقول احد ان تفعيل دور الاعلام الاستقصائي هو من مسؤولية الصحافي نفسه، لان هذا غير صحيح، المسؤولية تقع على المشغل، أي صاحب المؤسسة الاعلامية ورئيس تحريرها، حيث ان ادارة التحرير هي المسؤولية من الناحية المهنية عن تكليف الصحافيين ( العاملين لدى المؤسسة) في البحث والتقصي عن أي قصة صحافية بعدما يتم اقرارها في اجتماع التحرير المفترض.
فلا نتوقع من صحافي ان يبادر الى ملاحقة أي قضية مجتمعية دون ان يكون مسنودا بهيئة التحرير ومحامين المؤسسة الاعلامية، كي يعمل باحترافية، وغير ذلك فهو سيفضل الانضمام الى ركب الصامتين.