الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحريات – ما بين إعصار ايرما وقانون الجرائم الإلكترونية بقلم نور عودة

وعَلامَةُ رَفْعِهِ الكَلِمَة

2017-09-11 10:26:17 PM
الحريات – ما بين إعصار ايرما وقانون الجرائم الإلكترونية
بقلم نور عودة

في التحضيرات التي سبقت وصول ما سمي "إعصار إيرما المتوحش" إلى شواطئ ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية، قام حاكم الولاية ورؤساء البلديات والمؤسسات الفيدرالية والمحلية، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمخاطبة قرابة ستة ملايين مواطن، طلب منهم إجلاء مكان سكناهم في الولاية تحسباً للدمار المرتقب من هذا الإعصار المهول.

 

وأطلقت السلطات الفيدرالية تطبيقات للهواتف الذكية تتيح لسكان ولاية فلوريدا الوصول إلى المعلومات الأحدث والأكثر دقة فيما يتعلق بالإعصار وجهود الإغاثة وأي تعليمات يمكن للسلطات المعنية إصدارها للسكان.

 

وبحسب التقارير الإعلامية، فقد لجأت الوكالة الفيدرالية المسؤولية عن الإغاثة (فيما)إلى تخصيص جزء من تطبيقاتها الذكية وتواصلها الإعلامي لمكافحة الأخبار الكاذبة والإشاعات التي من شأنها أن تعرض حياة الناس للخطر الحقيقي في ظروف الكوارث الطبيعية. "فيما" أتاحت للمواطنين فرصة التحري من الأخبار التي تصلهم للتأكد من دقتها في خدمة أطلق عليها اسم "صندوق الإشاعات" ويساعدها في ذلك المواقع الإخبارية والمتخصصة في شؤون الأرصاد الجوية أيضاً والذين خصصوا جزءا من جهدهم لتفنيد الإشاعات وحماية المواطنين من تبعاتها الخطيرة.

 

باختصار، انطلق عمل السلطات الفيدرالية والمحلية في فلوريدا، من احترامها لعقل المواطن واعتباره شريكاً في الإغاثة والحكم والتسليم بأن التواصل مع الرأي العام واجب وليس أمراً اختيارياً.

 

يقال: إن المحروم من شيء يقدره، وإن من يتمتع بشيء طوال الوقت يفقد الإحساس بأهميته، وهذا ينطبق على الحرية، حيث الافتراض أن الشعوب التي تعيش منذ عقود أو أكثر في حالة استقرار وحرية يمكن أن تنسى أهمية هذه النعمة التي باتت من المسلمات في حياتها، بينما الشعوب التي لا زالت تناضل من أجل حريتها مثل شعبنا يفترض أن تقديرها للحرية يصل حد التقديس. لكن الواقع في فلسطين يُبرز حالة عكس هذا التقييم المنطقي والحكيم، حيث نعاني انحرافاً مقلقاً في واقع الحريات العامة يشي بتحول غير حميد لمفهوم الحريات وتعريفها وبما يسمح بتغول التقدير الأمني على المفهوم القيمي للمواطنة والحرية وتعريف المصلحة العامة وأمن الدولة.

 

هناك استدعاءات واعتقالات متكررة ومتواترة بحق النشطاء والصحافيين في فلسطين بالاستناد إلى مادة في قانون العقوبات الأردني لعام 1951 والمعروفة بتهمة "إطالة اللسان"، وهي مستمدة من القانون الملكي البريطاني، بالإضافة إلى توظيف أحكام القرار بقانون حول الجرائم الالكترونية وتحديداً المادة 20، والتي استعملت في أكثر من قضية كان آخرها وأبرزها القضية ضد الناشط البارز عيسى عمرو في الخليل.

 

هذه القضايا جلبت الكثير من الاهتمام الدولي السلبي لفلسطين ودفعت بمناصري القضية الفلسطينية، حكومات وشخصيات، إلى التعجب من ملاحقة القضاء الفلسطيني لفلسطينيين على خلفية حرية الرأي والتعبير، في الوقت التي ترتفع فيه الأصوات الفلسطينية مطالبة العالم في التصدي لقمع إسرائيل لحريات الشعب الفلسطيني المدنية والوطنية.

 

محلياً، هناك شعور بالإحباط والخوف المتزايد على قوة الشعب الفلسطيني التي لطالما كانت كلمته الحرة وقدرته على قيادة حركة وطنية متعددة الأطياف، بما يشمل ذلك من تعدد في الآراء والتوجهات.

 

لا بد من الاعتراف أن قانون الجرائم الالكترونية بصيغته واستعمالاته الحالية يشكل تحدياً للمفاهيم والقيم التي على أساسها قامت واستمرت ثورة الشعب الفلسطيني المعاصرة ضد الاحتلال ومنظومة الاستعمار الجديدة. ولا بد من الاعتراف أيضاً إن الأزمة التي تتشكل وتتراكم بسبب هذا القانون واستخداماته سيكون لها أثر كبير وسلبي على المدى القريب والبعيد بشكل يضر بالمصالح الفلسطينية الوطنية وبمفهوم المواطنة الذي لخصه إعلان الاستقلال بأن فلسطين "وطن سيبقي دائما وطننا حراً لشعب من الأحرار".

 

هناك من يريد أن يغير مفاهيم راسخة في الوعي الجمعي الفلسطيني وتعليب المجتمع الفلسطيني بما لا يليق به وبتضحياته وبمفهوم الحرية الذي رسخه بالتضحيات والدم، متحججاً بالتشبه بالمحيط الإقليمي، وكأن الشعب الفلسطيني التزم يوماً أو تماثل مع واقع القمع والخوف في المحيط. هناك من يريد لنا أن ننسى أن طبيعة الشعب الفلسطيني وكلمته الحرة ولسانه الطويل، إن جاز التعبير، كان وسيبقى حارس بقاء قضيتنا ومطلبنا العادل بالحرية والاستقلال.

 

وجود قانون لمكافحة الجرائم الالكترونية ضرورة في أي مجتمع معاصر لكن القانون الفلسطيني حديث الولادة والطريقة التي يتم استخدامه فيها من قبل السلطات القضائية يضرب الضرورة تلك في الصميم. هناك دعوات صادقة وجادة من جهات حقوقية وقانونية للعمل على تعديل القانون والامتثال لهذا المطلب العام هذا بات أمراً لا يحتمل التأجيل.

 

ويتضح من حيثيات واقع الحريات المضطرب حالياً أنه بالإضافة إلى ضرورة تعديل هذا القانون، هناك حاجة ملحة للتأكيد على مفهوم المواطنة وأركان المجتمع المتماسك الذي لا يتضرر من إشاعة هنا أو صفحة أكاذيب هناك. احترام المواطن لا يأتي فقط بصون كرامته من الاعتداء والاعتقال التعسفي بل يتطلب أيضاً وبالضرورة احترام عقله والتواصل معه بما يعكس هذا الاحترام.