يطل شهر أيلول كل عام كرأس أفعى بشعة.
كثر هم الذين يتشاءمون من هذا الشهر.
ليس لأنه وحده الشهر الذي ينذر بقدوم الخريف، وورقه الأصفر كما غنت فيروز، وإنما لأن الاستحقاقات التي نحشد لها في كل عام، والوعود الكثيرة التي نعد أنفسنا بها فيه لا يتحقق منها شيء، تماما مثلما نحشد الآن للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك.
والمحصلة يأتي ويذهب أيلول بوعد مشلول.
أيلول شهر تقلبت فيه كوارث عظام على هذا الشعب من أيلول الأسود، إلى مذبحة صبرا وشاتيلا، إلى اتفاقية كامب ديفيد، إلى اتفاقات أوسلو.
أيلول يُقتلُ فيه الفلسطينيون كل عام.
ولا يعلم أحد السبب.
لعله لأنه شهرٌ يكون فيه الموت تجارة رخيصة، لأن سعر الانسان فيه يكون بخسا.
تماما مثل التجارة بدماء نيفين العواودة، التي لم تقنع الرواية الرسمية لمقتلها أحدا، ليس لسذاجة القصة، وإنما لوقوعنا ضحية التوازنات بين الأجهزة الأمنية المختلفة، وهي التوازنات التي يتم تصفيتها على حساب نيفين العواودة، وفي المحصلة على حسابنا، لدرجة أن الحقيقة تظل مهزومة لصالح تصفية الحسابات وحماية المتنفذين.
كأنها لعبة قمار.
هنا الحياة كلعبة قمار، لا أحد يعرف فيها الغيب.
كمسرحية الميلودراما التي يبيع فيها جندي تعس بائس روحه للشيطان مقابل كتاب يسمح له بقراءة الغيب، ولكنه حين عاد إلى أهله وناسه لم يعد أحدٌ يعرفه، ولم يعد يقنع بشيء رغم تحذير الشيطان له فكانت نهايته في الجحيم.
تلك المسرحية لـ "سترافنسكي" بعنوان "حكاية الجندي"، هي حكاية الجندي الفلسطيني؛ فللأسف، بالرواية المقدمة في مقتل نيفين العواودة، نعود جميعا لنقتلها مرة ثانية، وما الضجة المثارة حول رواية الاجهزة الامنية إلا رسالة واضحة بأن عظام جسد نيفين المنهك قتلا ومقامرة يطرق جدران القبر جدران ضميرنا جميعا، بإعادة فتح التحقيق مجدادا في مقتلها.
لعل حكاية الجندي لا تنتهي به إلى الجحيم مع الشيطان، فلا احد يعرف قراءة الغيب.