الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أنسنة / ثلاث قصص قصيرة لـ القاص: ناصر الريماوي

قاص مقيم في السعودية

2017-09-25 11:43:01 PM
أنسنة / ثلاث قصص قصيرة 
لـ القاص: ناصر الريماوي
ناصر الريماوي

" الدالية "

جذع الدالية في الحوض الترابي... عرق هزيل،
يشبه قامة رجل عجوز، ضامر، جاوز التسعين،
ينفر منه الجدار، دون سبب واضح، لكنه يستدير ويحني له ظهره، عن طيب خاطر، يتسلقه بقدمين من طين، ويصعد لاهثا نحو عريشة الخشب...
الجذع، نخره اليباس، منذ سنين...
 

وتكعيبة الخشب المنصوبة تندب حظها فوقنا وتضرع للسماء في صبر،
يبذر أوراقه كعادة موسمية، لكنها تطير في الفضاء، تسقط وتتناثر،
لم يورث لها ولا حتى عنقودا واحدا.
 

استنفذ وصفات كثيرة، لعرافات البساتين، لكن دون جدوى...
منذ زمن بعيد لم يعد يعنيه شيء، يستلقي بليدا أمامنا، يطالعنا بنصف عين، ثم يغيب خجلا في حضن العريشة،اعتدنا عليه حزينا نحيلا. 
 

هذا المساء، شق جذع صغير أرض الحوض، والتف حول قامة الجذع الهزيلة في حنان، لكنه لم يحرك ساكنا...!
حتى هذه اللحظة، لم يكترث.
 

التكعيبة الخشبية أفاقت مبتهجة، هزته في فرح، وحين لم يستجب.
ابتسمت، وأضاءت لنا أرض الحديقة.

 

" علاقة "

بعض الظن... 
أن علاقة ما تجمع بين الليل وشتلة الياسمين
على السور المجاور لنا، على الأغلب
يشوبها إنتهاز طفيف للفرص، حد الإثارة، 
وضمن مستوى الشبهات.
 

في غفلة من الناس، كنا نلمحها وهي
تراود العتمة عن نفسها، 
لكننا نغض الطرف طوعا كي تفيض...
تروج الجارة لقصة عشق خفية وطارئة منذ الربيع الفائت، 
لكنها تنصف شتلتها وتدعي غواية الليل لها، عن خبث، 
ولا أحد هنا يصدق...! 
 

كانا على طرف الطريق قبل قليل، يتناجيان، ثم انتحيا جانبا تحت ظل برندة جانبية، أقسم زوج الجارة في حنق، بأنه سيجتثها،
فهما على عناق مستفز منذ ليل أمس، وهو لا يعلم. وأن فوح الرائحة الذي وشى بها... لم يترك له خيارا..!
نصف الحقيقة سيخطفها الصباح،
في حين سيذوب نصفها الآخر
بين عبق الرائحة وثرثرات لا تنتهي، تكفلت بها الجارة،
منذ الربيع الفائت،
ولا نية لأحد في أن يصدق.

 

"راعي... جيل رابع"

أحراش خضراء تترامى على مد البصر
يجتاحها قطيع خراف ضخم ينحدر من فوق تلة تميل جهة الغرب
تخدش الأجراس المعلقة في أعناق الماشية صوت الحفيف
المنبعث من قلب الدغل المجاور، كلب الراعي، يجري بعصبية وينبح في صبر، سرعان ما يثب في غيظ من طيش القطيع وكسل الراعي، ربما يخشى وجودنا...
 

ذلك الراعي، اسند ظهره إلى جذع شجرة ضخمة عند المرتفع المطل، وراح يرمق نقطة بعيدة، ولا يأبه لشيء، توقعت منه أن يخرج علينا بناي كعادة الرعاة، لكنه لم يفعل، كان يفتقد لعصا الراعي أيضا...
تشتت القطيع وسد الأفق، حير الشمس في استعدادها اليومي للرحيل بهذا التشتت العبثي، أحاطت بنا شراذمه السائبة أسفل الوادي، لكنه لم يقترب بما يكفي لنلمس فوضاه...
 

كان الراعي يتلهى بشيء بين يديه، غير قصبة ناي الرعاة
وكان يحثه الكلب على المواصلة بنباح مستفز
قال لنا البعض بأنه يجري محادثة هاتفية، من جواله 
ثم يعود لتصفح محتوياته بهوس كبير
ربما كان يرتب قائمة الأصدقاء لديه
أو يدرج نصا على الفيسبوك
كان لا يرفع بصره عن شاشة المحمول، بأي حال...
رغم نباح الكلب المستفز
وتشتت القطيع.