من الناحية التطبيقية تؤكد المقولة الأكثر واقعية: أنَّ تجانس الدال والمدلول في كتلة واحدة، هو تجانس غير قابل للانقسام أو التشكيك.. والدال والمدلول فيما يخص ملف المصالحة الذي أدمى قلب الشعب الفلسطيني والعربي طيلة عقد كامل من الزمن، يُذكر بأن هذا الملف شهد جولات أظنها لم تترك بقعة جغرافية في الإقليم، إلا ومرت من خلالها وعبرها، لتنتج في نهاية المطاف اتفاقيات عدة لم يصل أي منها إلى النهاية المبتغاة.
إلا أنَّ السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني والعربي، متفائل إلى حد بعيد، بهذه الجولة الأخيرة التي قادتها مصر، وأدت إلى حراك مباشر ومعلن من طرفي المعادلة، حيث أعلنت حماس عن حل لجنتها الإدارية، فيما استجابت السلطة لنداء استلام الحكومة لمهام عملها في القطاع مباشرة.
وينبع مصدر هذا التفائل، من عوامل عدة لا تنحصر فقط في توجه حركة حماس السياسي الجديد منذ الإعلان عن وثيقتها السياسية المتقدمة سياسيًّا وفكريًّا، وبخاصة فيما يتعلق بعلاقتها بجماعة الإخوان المسلمين من جهة، وبالفهم السياسي لمتطلبات حلّ القضية من جهة أخرى، وإنما أيضًا في استلام شخصية براغماتية كشخصية "يحيى السنوار" لزمام القيادة الفعلية للحركة، وليس فقط لقيادة قطاع غزة، والدليل على ذلك يمكن ملاحظته في التقارب الذي شهدته العلاقة مع العاصمة المصرية، وسرعة استجابة المستويين السياسي والميداني "العسكري" لأفكار السنوار من جهة أخرى.
كل ذلك من شأنه أن يدعو إلى التفاؤل، ولكن الأمر من وجهة نظر أخرى، لا يرتبط من قريب أو بعيد بثنائية التفاؤل والتشاؤم، قدر ارتباطه بالقضية الأم، ومدى اقترابنا أو ابتعادنا عن عقد سلام شامل وعادل.
الدلائل الأولية لهذا المحور، يمكننا إيجادها، تحديدًا في تحرك الجانب المصري المدعوم أمريكيًّا، باتجاه عقد مصالحة فلسطينية داخلية، تضمن معطيات عدة يجب توفرها قبل البدء في أي صفقة سلام محتملة تحت رعاية الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة"ترامب"، والحديث يدور هنا عما يسمى بـ"صفقة القرن" ومن هذه المعطيات:
من هنا وكي لا نستبق الأمور، علينا النظر مليًّا في هذا الطرح غير المعلن، والذي قد يؤدي بنا إلى عشرين عامًا آخر من التفاوض وإعادة التفاوض حول همزة هنا وفاصلة هناك، وهو نهج دأب الإسرائيليون عليه منذ توقيع اتفاقية "كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية"، ولكن في ظل ظروف مختلفة، أهمها الانفتاح الإسرائيلي على الإقليم العربي، والعلاقات الموعودة بين طرفي المعادلة وهي الأرضية الأساس الذي طُرحت عليها مبادرة الإدارة الأمريكية الجديدة، المسماة بـ"صفقة القرن".
غير أننا يجب أن نلاحظ في الجهة الأخرى، تحرك حركة حماس الأخير على الساحتين العربية والدولية، ومنه مثلا لا حصرًا، افتتاح الحركة مكتبًا لها في موسكو، وآخر في الجزائر، ويقال ثالث في مصر، ما يشير بوضوح كامل إلى أنها بدأت في تقديم نفسها كلاعب سياسي قادر على عقد الاتفاقيات، وتفهم مطلبات العمل السياسي.
لا شكّ أنَّ الكل الفلسطيني يريد إنهاء ملف الانقسام، لصالح مصالحة فلسطينية حقيقية، توحد الموقف الفلسطيني وتقوي من مكانه ومكانته على الأجندة الإقليمية والدولية، مصالحة تغلب جغرافيا المصلحة الوطنية، على المصلحة الإقليمية، ليس فقط لصالح الجانب الفلسطيني، وإنما أيضًا للصالح العربي والإسلامي،هنا يكمن السؤال: هل يدرك صناع القرار في شطري الوطن، على أي قاعدة جغرافية يعقدون مصالحتهم؟