الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أين نحن يا عرب/ بقلم: سامي سرحان

2017-09-26 09:48:20 AM
أين نحن يا عرب/ بقلم: سامي سرحان

 

يبدو أنَّ زمن الولايات المتحدة كقطب واحد وكدول عظمى واحدة في هذا العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989 قد ولى من غير رجعة. فالرئيس الفرنسي مانويل ماكرون حديث العهد بالسياسة الدولية تبين من خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أنّه يمتلك رؤية دقيقة للتحولات الطارئة على الساحة الدولية لا يدانيها من قريب أو بعيد، فهم رؤية الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب المتهور والمتردد والفج في عداوته وصداقاته ومواقفه من القضايا الدولية والداخلية للولايات المتحدة.

 

رؤية الرئيس الفرنسي للعالم اليوم تقوم على تعددية الأطراف أو الأقطاب أو القوى أو المحاور، وليس على أحادية القطب الواحد، فكان في الجمعية العامة أكثر رؤساء العالم وضوحًا في معارضة سياسات الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب، سواء ما خصَّ الاتفاق النووي مع إيران أو اتفاقية المناخ أو مسألة كوريا الشمالية، الرئيس الفرنسي يعترف بقوة الولايات المتحدة ودورها، وبقوة الاتحاد الأوروبي وقدراته الاقتصادية والعسكرية رغم ما أحدثه سعي بريطانيا للخروج من الفضاء الأوروبي. وثمة قوى أخرى في أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا كالبرازيل وجنوب افريقيا والهند.

 

العرب وحدهم لن يشغلوا حيزًا في الفضاءات الدولية الفاعلة إلى حين انصلاح أمرهم الذي لن يتم دون مصالحة حكامهم مع شعوبهم، وفك ارتباط هؤلاء الحكام وتبعيتهم لقوى دولية وإقليمية واستغلال ثرواتهم البشرية والمالية، بما يصلح ما فسد من حالهم ويرفع من مكانتهم.

 

والأمر منوط اليوم بمصر والسعودية والجزائر كدول مركزية أولاً وحفاظ كلّ من العراق وسوريا على وحدتهما الترابية والشعبية المهددة؛ لتكون حاضنة مشتركة للعرب الذين يحتلون رقعة مهمة من الأرض تمتد من المحيط إلى الخليج توقف حالة التردي التي يعيشها العالم العربي الذي بات اليوم عالمًا وهميًّا، لا محلّ له من الإعراب.

 

لم يعد العالم العربي بدولة الاثنتين وعشرين فاعلاً لا في إقليمه، ولا في محيطه، وإنما بات مفعولاً به، وهو ما خلق غصة في قلب كل عربي خاصة عندما يشاهد تهافت دول عربية نحو الجهد بالعلاقة مع الكيان الإسرائيلي، ظنًّا منها أنّ إسرائيل ستكون الحامية لهذه المنظمة من الأخطار الداخلية والخارجية التي تهدد وجودها، وهي في ذلك ينطبق عليها المثل العربي القائل: "كالمستجير من الرمضاء بالنار".

 

إنَّ أطماع إسرائيل وسياستها التوسعية لم تتوقف منذ أن قامت على أرض فلسطين، وهي اليوم تحتل كل فلسطين وأرض سورية ولبنانية، وتنتقص من السيادة المصرية على سيناء وتمد أذرعها في الخليج وكردستان وجنوب السودان وجنوب موريتانيا، الانفتاح المخزي على دولة الاحتلال الإسرائيلي من بعض العرب، بل من معظمهم دليل على انحطاط مكانة النظم العربية بين شعوبها وبين الأمم الأخرى، بخاصة أنّ إسرائيل تصمّ أذنيها عن كل دعوة أو مبادرة للسلام عربية أو دولية. والكارثة أنَّ مسلسل المبادرات والتوددات السياسية نحو إسرائيل لم تتوقف منذ نشأة الصراع العربي- الإسرائيلي، وتأخذ إسرائيل من كل مبادرة ما يتوافق مع مصالحها التوسعية، وترفض ما عدا ذلك، وتنتظر مبادرة تالية لتكرار السياسة نفسها. وأوضح مثال على ذلك المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت، والتي هي في الأصل مبادرة للملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز. والمبادرة طرحت حلاً يقوم على قيام دولة فلسطين في حدود الرابع من حزيران 1967، والقدس الشرقية عاصمة لها، وحلّ متفق عليه لقضية اللاجئين، مقابل اعتراف جميع الدول العربية والإسلامية بإسرائيل وتطبيع علاقات هذه الدول مع إسرائيل، وبعد سبعة عشر عامًا  نرى إسرائيل ترفض قيام دولة فلسطين على الحدود المذكورة، وتقوم الدول العربية والإسلامية بتطبيع علاقتها مع إسرائيل، بل وتقيم معها حلفًا لمواجهة أخطار حقيقية أو مزعومة مفترضة تهدد هذه الدول.

 

والمبادرة التالية نحو إسرائيل التي تتبلور فصولها، هي ما يسمى صفقة القرن التي يرعاها ترامب، وتقوم في الأساس على إعلان حلف عربي إسلامي مع إسرائيل مقابل دولة ذات حدود مؤقتة على جزء من الضفة الغربية يقل عن 30% من مساحتها، مرتبط باتحاد فدرالي أو كونفدرالي مع بقاء المستوطنات والجيش الإسرائيلي والجدران والطرق الالتفافية، لم يبقَ أمام الفلسطينيين من خيار بعد إغلاق منافذ السلام أمامهم، سوى مراجعة سياساتهم تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما أشار إليه الرئيس أبو مازن في خطابه المهم والجامع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إما دولة فلسطينية في حدود الرابع من جزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإما سحب منظمة التحرير الفلسطينية واعترافها بإسرائيل في حدود 1967، والعودة خطوات إلى الوراء، والمطالبة بتطبيق قرارات الشرعية الدولية كقرار التقسيم رقم 181 وقرار 194 القاضي بحق العودة.

 

الشعب الفلسطيني ينشد السلام القائم على العدل ليعيش بسلام في وطنه كغيره من شعوب المنطقة.