الحدث- علاء صبيحات
مسيرة يوم طويل أرهقت باله، لا تزال همهمة لوتس أثناء نومها محفورة في الزاوية البعيدة عن اللسان، كالعادة لم يسمح لزوجته أن تفيقهما (لوتس ووديع) من النوم، بحجة أنّه لا يُريد أن يُقلِق منامهما... والسبب الحقيقي أنه لا يريد أن يراهما هربًا من أمام أعينهم الصغيرة المليئة بالأسئلة، فقد صار مع الوقت مُتقنًا للعبة، لعبة الكذب.
دخل ككل مرة إلى مكان عمله، وهو إحدى العمارات غير الجاهزة، الخاصة بالمتدينين اليهود.
لا شيء مُعقّد كحياته، فهو يبني وطنًا للأعداء، إنه يعمل بحي لليهود المتدينين في مدينة بيتح تكفا في حي بن إليعيزر شيفع بجانب تل أبيب.
المقاولون أربعة فلسطينيين متعاقدون مع شركة إسرائيلية ملك لليهود، والذي سيسكن العمارة المكونة من 25 طابقًا، هم ألدّ أعدائه.
المفارقة أنّها ليست بناية واحدة، بل ثلاث بنايات، كلُّ واحدة 25 طابقًا، وكلّ طابق 4 شقق سكنية، كلها ستمتلئ بأكثر الناس كرهًا على قلبه.
محاط بجدار من الأسئلة، التي مهما كانت إجابته عليها لن تقنعه أو غيره، لماذا لا تعمل في الضفة قريبًا من أسرتك؟ أجره في الضفة لا يتجاوز ربع ما يتقاضاه هناك، وأغلب الأيام يذهب العُمّال إلى الورشة في الضفة ولا ينجح يوم العمل بسبب الظروف البائسة هناك.
أيام الشتاء الخفيفة لا عمل في الضفة، وساعات العمل أطول بكثير من ساعات العمل في الداخل المحتل، وغالبًا العامل في الضفة يتأخر عليه المقاول في "القبضة" إنْ لم "ينصب" عليه في المال كلِّه.
لا زيادة على الأجر، في الضفة الزيادة فقط تكون في ساعات العمل، التي لا وقت محددًا لـ"الحلة" فيها، فقد يعمل حتى منتصف الليل دون كلمة (شكرًا) حتى، بالإضافة إلى أكله وشربه ودخانه ومواصلاته التي يدفعها كاملة قبل أن يبدأ يوم العمل في الضفة، والاحتمال الأكبر ألاّ ينجح يوم العمل.
ينام في مكان عمله على سرير يتسع لعشرين شخصًا، صنعه هو بيديه من الخشب الزائد في العمارة، تكتظ الغرفة بأنفاسهم صيفًا، وتخنقهم شتاء؛ لأنهم ينامون في غرفة لا تختلف عن القبر كثيرًا، سواء في عذابهما (القبر والغرفة) الذي يسمع عنه، أو في خنقهما لمن يسكنهما، فهما ضيقان صغيران معتمان على قدر الجسد فحسب، وكلاهما تحت الأرض وفوقهما التراب.
ينامون في المبنى ذاته الذي يعملون فيه، تحديدًا في المكان الذي سيصبح كراجًا للحافلات في ما بعد، عندما يجهز إنشاء البناء.
في طريقه لوضع حقيبة ثيابه التي تعبت فعلاً من السفر، على فراشه المهترئ، يتحايد المياه المتجمعة داخل الغرفة، قافزًا من حجر طوب إلى آخر، تمّ وضعها في المكان للسبب نفسه، فالمياه على أرض الغرفة بارتفاع 20 سم تقريبًا، إذ إنها على ارتفاع طوبة "العشرين" كما تُسمى في ذلك المكان عظيم الكآبة.
بحث مع زملاء "الهم" منذ البداية عن سبب دخول مياه الأمطار إلى الغرفة التي ينامون فيها، فوجدوها سلسلة من الأنابيب التي أُجبروا على تركها مفتوحة؛ لأنّ المهندس اليهودي هناك رفض إغلاقها لأيِّ سبب.
وضع الحقيبة وهو يلعن العمل والزواج ومياه الأمطار وطوب "العشرين".. كل هذا وأكثر.
يتبع...
لقراءة الحلقة الأولى اضغط هنا
لقراءة الحلقة الأولى اضغط هنا.
لقراءة الحلقة الثالثة اضغط هنا.