الحدث- محمد غفري
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد العمال الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة منذ العام 1948، يأتي ذلك في الوقت الذي تتحدث فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن عقد ما يسمى بـ "سلام اقتصادي" مع الفلسطينيين يخدم أمنها بالدرجة الأولى، ويغطي حاجتها للأيدي العاملة في قطاع البناء، بالتزامن مع التوصيات المستمرة من قادة الجيش بزيادة عدد التصاريح.
عشية رأس السنة العبرية، أجرى رئيس أركان جيش الاحتلال جادي إيزنكوت مقابلة صحفية شاملة ومطولة نشرتها صحيفة "الحدث" مترجمة عن موقع "واللا" الإسرائيلي.
خلال لقائه الصحفي، كشف المسؤول الإسرائيلي الرفيع عن إعطاء 30 ألف تصريح دخول وعمل للفلسطينيين إلى إسرائيل، وأن ذلك جاء بناء على توصية تقدم بها الجيش للمستوى السياسي، حيث أصبح عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل 75 ألف عامل، بالإضافة إلى 20 الف تاجر، وهناك 50 الف عامل دون تصريح.
وفي غضون ذلك، تؤكد الجهات الرسمية الفلسطينية صحة الأرقام التي تحدث عنها إيزنكوت، وأن عدد العمال الفلسطينيين في الداخل آخذ في الازدياد بشكل ملحوظ، وفي المقابل تم تقليص عدد التصاريح الممنوحة للتجار.
تشير إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن عدد العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل بالإضافة إلى المستوطنات من حملة التصاريح أو الهوية الزرقاء، قد وصل في الربع الثاني من عام 2017 إلى 128,400 ألف عامل، يضاف إليهم عمال يعملون دون تصاريح، وفلسطينيون يحملون تصاريح تجار واحتياجات خاصة لأغراض العمل.
توقعات بازدياد تصاريح العمل
مدير عام التشغيل في وزارة العمل الفلسطينية رامي مهداوي، أكد أن عدد العمال الفلسطينيين المنتظمين في الداخل المحتل يصل إلى نحو 75 ألف عامل، وسط توقعات بارتفاع هذا العدد.
وبالمقارنة مع السنوات السابقة، تبين الأرقام التي كشف عنها مهداوي في لقاء خاص مع "الحدث"، أن عدد تصاريح العمل ارتفع في السنوات الخمس الأخيرة بنحو 45 ألف تصريح عمل.
مهداوي أوضح، أن عدد تصاريح العمل في عام 2012 كانت 31,429، ثم ارتفع بشكل لافت خلال العام التالي 2013 ليصل إلى 45,473.
واصلت تصاريح العمل الممنوحة من قبل سلطات الاحتلال بالارتفاع خلال السنوات الأخيرة، بحسب ما أفاد المسؤول الرسمي، حيث وصلت في عام 2014 إلى 51,732، وفي عام 2015 إلى 57,998، وفي العام الماضي 2016 كانت تصاريح العمل 66,709، وحتى الآن وصل الارتفاع إلى نحو 75,000 تصريح في العام 2017، ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع.
وحول التوزيع الجغرافي لمحافظات الضفة الغربية، قال مهداوي: إن محافظة الخليل تتربع على رأس المدن الفلسطينية من حيث عدد العاملين في الداخل، وتأتي بعدها مدينة جنين، ثم بيت لحم، ورام الله.
محافظة الخليل حلّت أولاً؛ نظرًا لارتفاع عدد سكانها مقارنة بغيرها من المحافظات، وأيضًا قربها الجغرافي من المدن الإسرائيلية الكبرى، على غرار تل أبيب (يافا المحتلة) وأشدود.
أما طوباس وأريحا فتعدان من أقلّ المحافظات الفلسطينية التي تنال حصتها من تصاريح العمل في الداخل، نظرًا لاعتماد سكانها على الزراعة.
قطاعات العمل
يبدو أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تبحث عن العامل الفلسطيني لأجل العمل لديها في مجالات البناء، وهو ما تثبته الأرقام الرسمية.
أوضح مهداوي أنَّ 70% من العاملين داخل الخط الأخضر يعملون في مجالات البناء، في حين يعمل 22% منهم في مجالات الزراعة، أما من تبقى منهم 8% فيعملون في قطاع الصناعة والخدمات.
وحول أسباب ارتفاع العاملين في مجال البناء على حساب القطاعات الأخرى، يرى مهداوي أنّ ذلك يرجع إلى خطة حكومة الاحتلال في العمل على بناء مزيد من الوحدات السكانية داخل الأراضي المحتلة.
كلُّ هذه التفاصيل التي تقدم بها المسؤول الفلسطيني لا تشمل العمال الفلسطينيين داخل المستوطنات المنتشرة على أراضي الضفة الغربية، لأن السلطة الفلسطينية لا تعترف بها وبشرعية العمل فيها، وتؤكد حقها في إقامة دولة فلسطينية على حدود الأراضي المحتلة منذ العام 1967.
تصاريح التجار
وفي تصريحات مشابهة مع قائد أركان جيش الاحتلال، أكد رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية الفلسطينية خليل رزق، أن عدد التجار الفلسطينيين الحاصلين على تصاريح الدخول إلى إسرائيل يبلغ نحو 20 ألف تاجر.
إلا أنَّ رزق في تصريحه لـ"الحدث"، أشار إلى انخفاض عدد التصاريح خلال الفترة الأخيرة، حيث وصل عدد التجار الذين يحملون تصاريح الدخول في بعض الأحيان إلى 25 ألف تاجر، والآن عاد وانخفض إلى 20 ألفًا.
رزق أوضح، أنَّ عمل الغرف التجارية يقتصر على تعبئة الطلبات والأوراق الرسمية، ومِن ثَّمَّ تحويلها إلى الشؤون المدنية الفلسطينية، وهي الجهة التي تتواصل مع الإدارة المدنية الإسرائيلية بشكل رسمي.
وبالتالي حسب رزق، فإنَّ الغرفة التجارية لا تتدخل في قبول طلبات التجار أو رفضها، وإنما تقوم بتحويل هذه الطلبات كافة، والجهة التي توافق أو ترفض هي سلطات الاحتلال، مؤكدًا حقّ التجار الفلسطينيين كافة في هذه التصاريح.
تصاريح أخرى
"تصاريح الاحتياجات الخاصة" لعلها من التصاريح المثيرة للجدل، والتي يصدر بعضها وفق القنوات الرسمية الفلسطينية، في حين تصدر أعداد كبيرة منها بطرق أخرى.
الناطق الرسمي باسم الشؤون المدنية الفلسطينية وليد وهدان، أوضح لـ"الحدث"، أن تصاريح الاحتياجات الخاصة التي تصدر رسميًّا من قبلهم تكون لمدة يوم واحد ومحدودة العدد لكل محافظة.
إلا أن هناك تصاريح احتياجات خاصة أخرى تصدر من خلال سماسرة فلسطينيين وباتصال مباشر مع الإدارة المدنية الإسرائيلية، وتمدد لأكثر من شهر، وهي مرفوضة وغير شرعية، وفق ما قال وهدان.
وأكد وهدان، أنه يتم بيع هذه التصاريح للفلسطينيين واستغلالهم، وفي المقابل التصاريح التي تصدر رسميًّا من الشؤون المدنية تكون مجانية، ولا تأخذ الجهات الرسمية أيَّ مقابل مادي لقاء إصدارها أيَّ تصريح، سواء للعامل أو التاجر.
ولذلك لا تمتلك الجهات الرسمية أيَّ إحصائيات دقيقة حول أعداد تصاريح الاحتياجات الخاصة التي تسمح بالدخول إلى إسرائيل، والتي غالبًا ما يلجأ لشرائها العمال الفلسطينيون غير المتزوجين، ولا يحق لهم الحصول على تصاريح عمل رسمية.
عمال المستوطنات
وبالإشارة إلى عدم دخول عمال المستوطنات ضمن نطاق عمل الجهات الرسمية الفلسطينية، إلا أنَّ الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يتولى مهمة حصر هذه الأرقام.
وبحسب ما ذكرت مديرة دائرة إحصاءات العمل في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني سهى كنعان، فقد انخفض عدد العاملين في المستوطنات في الربع الثاني من العام الجاري 2017 إلى 18,300 عامل فلسطيني، في حين وصل في الربع الأول للسنة نفسها نحو 24,000 عامل.
عمال دون تصاريح
أما ما يتعلق بالعمال الفلسطينيين في الداخل المحتل، والذين لا يحملون أيَّ نوع من أنواع التصاريح فقد بلغ عددهم بحسب ما كشفت سهى كنعان من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 38,000 عامل.
هذا الرقم للعمال الفلسطينيين دون تصاريح يقل عن الرقم الذي تحدث عنه رئيس أركان جيش الاحتلال غادي إيزنكوت ويبلغ نحو 50,000 عامل.
لماذا تفضِّل إسرائيل العامل الفلسطيني؟
مؤخرًا، أوصت وزيرة العدل الإسرائيلية إيليد شاكيد بضرورة منح الأولوية للعمال الفلسطينيين في العمل داخل إسرائيل على غيرهم، وهو تصريح لافت للنظر عندما يصدر عن وزيرة تنتمي لليمين الإسرائيلي المتطرف، ويتقاطع مع مطالبات رسمية أخرى داخل سلطات الاحتلال من المستويين السياسي والأمني، وهو ما يدفعنا للبحث عن أسباب هذا التفضيل.
مدير دائرة التشغيل في وزارة العمل الفلسطينية رامي مهداوي، يرى خلال حواره مع "الحدث"، أنّ الأسباب في تفضيل العامل الفلسطيني على غيره من العمال الآسيويين والأفارقة من قبل سلطات الاحتلال، هو صرف العامل الفلسطيني لأمواله التي يحصل عليها آخر الشهر ضمن الدائرة الاقتصادية المغلقة نفسها.
كذلك اتقان عدد كبير من العمال الفلسطينيين للغة العبرية الرسمية في إسرائيل يجعل العامل الفلسطيني مفضلاً على غيره، بحسب ما قال مهداوي، بالإضافة إلى عودة العامل الفلسطيني آخر النهار للنوم في منزله في الضفة الغربية، وهو ما يخفف من العبء الأمني على إسرائيل.