الحدث- علاء صبيحات
نشر الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء في الرابع من شهر تموز الماضي، دراسة حملت عنوان "مجالات الدراسة والعلاقة بسوق العمل للأفراد من عمر 20-29 سنة 2016"، وهي موجهة للطلبة الذين أنهوا الثانوية العامة، ويتجهون لإكمال دراستهم الجامعية، وقد أكّدت الدراسة أنّ أعلى معدلات للبطالة بين الإناث من عمر 20-29 سنة الحاصلات على شهادة البكالوريوس أو الدبلوم المتوسط في العام 2016 هي في مجال الصحافة والإعلام بنسبة بلغت 87%.
علّق دكتور الإعلام في جامعة بير زيت محمد أبو الرب لـ"الحدث" قائلاً: إنّ هذه النسبة غير الطبيعية في البطالة ترجع لعدة أسباب، على رأسها كون الإناث يشكلن أكثر من ثلثي نسبة الطلبة في أقسام العلوم الاجتماعية، والتي يكون الإعلام أحدها، فأغلب أقسام الإعلام في الضفة الغربية نسبة الفتيات فيها تزيد على النصف، وفي بعض الحالات تكون أكثر من الثلثين.
والسبب في قلة عدد الإناث في الأقسام الأخرى كالهندسة المدنية مثلاً -كما أضاف د.أبو الرب- يعود إلى أنّ الإناث يتحاشين العمل الشاق، ويسعين إلى العمل في المهن التي لا تحتاج إلى مهارات أو مجهود عضلي.
وهذا ما أكّدته طالبة الإعلام في الجامعة العربية الأمريكية ملاك أبو الرب التي أوضحت أنّ طلبة دفعتها غالبيتهم من الإناث، وأكثرهن من الضفة الغربية، فقسم الإعلام في الجامعة العربية الأمريكية فيه أكثر من 400 طالب، ثلثاهما من الفتيات.
أما طالبة الإعلام في بيرزيت تيجان أبو عطوان، فإنها تقول لـ"الحدث": إنّ طلبة الإعلام في دفعتها هم 150 طالبًا تقريبًا أكثرهم من الإناث، وغالبيتهن من الضفة الغربية.
الأقسام غير مجهّزة
أضاف دكتور الإعلام في جامعة بيرزيت أنّ أغلب الجامعات الفلسطينية صارت تُدرّس الإعلام، وهذا غير منطقي مقارنة بما نراه في الدول المجاورة وحتى البعيدة، فإذا أخذنا دولة ألمانيا مثلاً فإنّ فيها جامعة واحدة على الأكثر تُدرّس هذا التخصص على أكثر تقدير، والأردن كمثال آخر فإنّ فيها ثلاث جامعات فقط تُدرّس الإعلام.
وأكّد أبو الرب أنّ معظم الأقسام في جامعات الضفة الغربية ينقصها جزء مهم من المعدات والتقنيات التي تلزم الطلبة خلال دراستهم، وهذا ينعكس سلبًا على أدائهم الصحفي.
طالبة الإعلام في الجامعة العربية الأمريكية مرام أبو صالح، أكّدت لـ"الحدث" أنّ فكرة دراسة الإعلام اقترحها أحد أصدقاء العائلة المقربين، وعندما جاءت للتسجيل في الجامعة العربية الأمريكية كانت قد حسمت قرارها بدراسة الإعلام.
وأضافت أنّ توقعاتها لم تختلف كثيرًا عن ما وجدته إلا من بعض النقص في المعدات كالكاميرات مثلاً، لكنها اهتمت كثيرًا في المونتاج وحاولت تنمية قدراتها في ذلك المجال، ولم تجد نقصًا في هذا القسم من الدراسة في الجامعة.
أما بالنسبة لعدد خريجي أقسام الإعلام في الضفة الغربية فقط، فإنّ عددهم يراوح الـ1000 طالب سنويًّا من جميع الجامعات والمعاهد، بحسب ما أكّد د.أبو الرب، والعدد مرشّح للازدياد مع تقدّم السنوات، إذا لم يتم تنبيه الراغبين بدراسة الإعلام، وبالتالي زيادة أعداد الطلبة الخريجين من أقسام الإعلام في الضفة الذين يقعون تحت بند البطالة.
أسباب زيادة عدد الإناث اللواتي تحت بند البطالة
وبحسب أبو الرب، فإنّ أحد أهم أسباب زيادة أعداد من هم تحت بند البطالة، هو عدم دراسة حاجة السوق من قبل القائمين على أقسام الإعلام في الجامعات الفلسطينية.
وأوضح أبو الرب أنّ حاجة السوق الآن في حقل الإعلام تتجه نحو الإعلام الإلكتروني، وبسبب عدم دراسة حاجة السوق فإنّه لا توجد مواد تعليمية في أقسام الإعلام لها علاقة بهذا الجزء من الإعلام؛ يعني ضعف المستوى الأكاديمي وتوسّع الفجوة بين حاجة السوق وما تعلمه الخرّيج.
وأكّد أبو الرب أنّ الإعلام في الوقت الحالي هو بحاجة لتدريس مساقات لها علاقة بتسويق الأنباء عبر صفحات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر، لكن كليات ومعاهد وأقسام الإعلام في الضفة لا تقدّم ما يحتاجه الطالب من هذه المساقات.
أما الطالبة ملك أبو عرار فإنها تؤكّد لـ"الحدث" أنّ جامعتها فرضت في خطة تدريس مساقات الإعلام الإلكتروني الذي يهدف إلى تجهيز الطلبة للتعامل مع تطبيقات الهاتف الذكي بطريقة إعلامية، ويتطرق لبعض خصائص الفيسبوك التي تختص بالصفحات الممولة.
وأضاف أبو الرب أنّ قسم الإعلام في جامعة بيرزيت مثلاً، قدّم خطة ستبطق في العام الأكاديمي القادم، والخطة تفرض على من يريد دراسة الإعلام فعليه أن يدرسه بشكل شامل كالصحافة والإذاعة والتلفزيون والإعلام المجتمعي.
فالمستقبل في الإعلام والصحافة -بحسب أبو الرب- هو لصحافة المعرفة والسوشيال ميديا، وليس للصحافة الخبرية، وهي صحافة مصبوغة بصبغة ثقافية ومطعّمة بأشكال تسويقية وتفاعلية.
وقال أبو الرب: إنّ هذا الأسلوب في الصحافة يحتاج لثقافة ولغة تسويقية، ولهذا؛ فإنّ جزءًا كبيرًا من إعداد الخريجين يحتاج لدراسة السوق، لكن هناك جانب أكبر يقع على عاتق الخرّيج نفسه من حيث تحسين مهاراته وتقوية ثقافته.
وأكّد أبو الرب أنّه لا يمكن -بأيّ شكل من الأشكال- تقوية القاموس اللغوي من قبل الجامعة، لأن هذا الجزء من تكوين الصحفي يقع على كاهل الصحفي ذاته.
الفتاة القروية
تقول طالبة الإعلام في الجامعة العربية الأمريكية هبة بزور من قرية رابا شرق جنين لـ" الحدث": إنّها درست الإعلام؛ لأنها كانت تحب التصوير الفوتوغرافي، وأهلها لم يعارضوا قط دراستها للإعلام، لكن المجتمع المحلي في قريتها يرفض فكرة أن تدرس الفتاة الإعلام، أو أن تختلط مع الشبان، بل وتضطر لأن تخرج في ساعات الفجر الأولى للعمل على تحقيق أو تقرير ما.
كانت على حدّ قولها: لا تكترث أبدًا في بداية دراستها، لكنها ومع مرور الوقت صارت لا تحب أن تحمل كاميرا التصوير معها فقط؛ لأنّ مجتمعها المحلي صار ينظر إليها بعين الذنب، لكنها بالنهاية ترغب في إنهاء دراستها حتى تجد نفسها في الذي دفعت مالها وعمرها في سبيل تحقيقه على حدّ وصفها.
في الوقت الحالي، هبة تحاول إقناع كلّ طالبة ترغب في إكمال دراستها الجامعية بدراسة الإعلام، لعلها -على حدِّ قولها- تستطيع تغيير نظرة المجتمع المحلي، بخاصة بعدما تعمّقت في مجال الإعلام، ورأت أنّه لا يقلل من شأن المرأة مهما كانت خلفيتها الاجتماعية.
وفي النهاية، بحسب بزور، فإنّ المجتمع له دور كبير في هروب الفتاة مهما كانت شُجاعة من العمل في مجال الإعلام؛ لأنّ مضايقاتهم ستجعلها تخشى المواجهة، بخاصة أنّ المجتمع الشرقي على حدِّ زعمها يضيّق على الفتاة، ويمحي حلمها، حتى لو كان الأهل يؤيّدونها.
التدريب ليس متطلبًا
أكدت طالبات قسم اللغة العربية والإعلام في الجامعة العربية الأمريكية اللواتي أجرت (الحدث) معهن مقابلات صحفية، أنّ التدريب الفعلي في مؤسسات إعلامية ليست متطلبًا جامعيًّا في قسمهم، وبالتالي، فإنّ أيَّ شخص يريد التدريب عليه أن ينسّق لنفسه، وفق معارفه في مكاتب الصحافة والإعلام.
لكن بحسب ما قلن، فإنّ الأمر ليس بهذه السهولة، فنادرًا ما تجد طالبة إعلام يمكن لها أن تتواصل بشكل شخصي لتحصل على تدريب بصفتها الشخصية، وأنهن جميعًا بحاجة للتدريب حتى يدخلن في أجواء الإعلام الحقيقية مع وسائل الإعلام.