خاص الحدث - جميل عليان
ما أن أشعلت النار في سيارة يستقلها سائق إسرائيلي في منطقة الجسر الشمالي لمدينة الطيبة الفلسطينية داخل أراضي عام 1948 ليلة أمس، حتى أبرزت العناوين الإخبارية العبرية الحادث كواحد من الأنشطة التي تهدد أمن إسرائيل القومي.
في الساعات التي سبقت هذا الحادث، ألقيت حجارة من قبل مجموعات من الشبان الفلسطينيين في مناطق تمتد من الجليل حتى منطقة الوسط، وأفرد الإعلام العبرية لكل ضربة حجر مساحة واسعة من التغطية، واصفا الشبان المحتجين بالمشاغبين، وحفلت المواقع الإخبارية التي تديرها الدولة العبرية أو تلك التي تدار من قبل مستثمري الأخبار بهذا الوصف الذي يبرر للشرطة التدخل التي قد يفضي للقتل.
وأعطى محللون وقارؤوا مضامين أخبار، علامات سالبة جدا، لمهنية مضامين تلك الأخبار التي انتهج الإعلام العبري بثها على مدار الأسبوعين الماضيين، اللذين شهدا، ارتفاعا في وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية من قبل الشرطة وحرس الحدود على السكان الفلسطينيين في تلك الدولة والتي كان آخرها قتل الشاب خير الدين حمدان من كفر كنا في الجليل.
ويقول محللون أن الإعلام العبري لم يتعامل مع أسباب تلك الاحتجاجات التي ينفذها فلسطينيون، لكنه يتعامل بشكل فوري مع نتائجها.
وفي مقابلة خاصة مع "الحدث"، قال محمد أبو علان وهو محلل إخباري في الشؤون العبرية: "في الحروب والأحداث الأمنية التي تمر بها دولة الاحتلال الإسرائيلي من الصعب إطلاق مسمى "إعلام" بالمعنى المهني على وسائل الإعلام الإسرائيلية باستثناء صحيفة "هآرتس" العبرية إلى حد ما، وذلك لسبب أساس وهو أن الإعلام الإسرائيلي يتحول لناقل وخالق للمبررات للممارسات الأمنية الإسرائيلية على الأرض، لا بل محرض في أحيان أخرى".
وأشار إلى ما أورده مراسل موقع "واي نت" العبري الذي قال في تقرير له بعد عملية الدهس التي نفذها الشهيد إبراهيم العكاري في مدينة القدس "من الصعب منع قيام حملة الهوية الزرقاء بعمليات كهذه، فكل ما تحتاجه لتنفيد عملية هو هوية زرقاء وسكين أو مسدس أو مركبة".
وأضاف أبو علان "هذا كلام يحمل في طياته تحريض على كل فلسطيني يحمل الهوية الزرقاء".
وقال د. أمين أبو وردة وهو أستاذ إعلام في الجامعات الفلسطينية " لاحظ كيف يغطون. إنهم يتداولون صورة حرق المركبة كأنها أهم حدث في إسرائيلي، رغم أن الحرائق منتشرة في كل مكان".
ويقول متابعون أن الإعلام العبري يعمل هذه الأيام على إيجاد مبرر لكل عملية قتل أو اعتقال تقوم بها الشرطة الإسرائيلية.
وقال أبو علان "الإعلام الإسرائيلي ليس ببعيد فيما يكتب عن مواقف النخبة السياسية والأمنية الإسرائيلية في أحداث مدينة القدس، فهو يلعب دوراً تكاملياً في ترويح إدعاءاتها، ولم يقتصر في اتهاماته للسلطة الفلسطينية والرئيس أبو مازن، بل ذهب لما هو أبعد من ذلك، ووسع الاتهامات في التحريض لقتل اليهود إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي برمته".
وكان أبو علان يشير في هذا السياق إلى ما جاء في مقالة كتبها الصحفي الإسرائيلي “أمنون لورد” في معاريف العبرية في مقاله له تحت عنوان “إدانة البناء في القدس تحول لرخصة لقتل اليهود”، ومما جاء في مقاله:
وقال لورد "الإدانة لعمليات البناء في القدس أصبحت رخصة لقتل اليهود، فإن كان العالم يرى بأنه يمنع على اليهود البناء في القدس، هذا يعني ليس لهم حق أساسي في الحياة، هذه الرسالة مررت بشكل منظم من الأمريكيين ومن المجتمع الدولي، والرئيس أبو مازن كان أول من فهم هذه الرسالة".
وفي أحايين كثيرة يوجه الإعلام الإسرائيلي انتقادات للمستوى السياسي والأمني الإسرائيلي لعدم كفاية الإجراءات الأمنية المتخذة لمواجهة الاحتجاجات الفلسطينية في مدينة القدس، هذه المواقف تعبر عنها بشكل دائم موقع القناة السابعة الإسرائيلية، والشبكة الإخبارية العبرية 0404.
وقال أبو علان" حين تتحدث هذه المواقع في أخبارها، ومقالات الرأي التي تنشرها أن تعليمات إطلاق النار المعطاة لجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولعناصر حرس الحدود والشرطة الإسرائيلية غير كافية لمواجهة مثيري الشغب من الفلسطينيين على حد تعبيرهم".
وشارك الموقعين بالتحديد في حملات ضد محاكمة جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومن عناصر حرس الحدود اتهموا بتعذيب أو قتل فلسطينيين، وأشهر هذه الحملات كانت مع جندي الاحتلال الإسرائيلي الذي عرف باسم "ديفيد هنحلائي" نسبة لكتيبة الناحل التي يخدم بها، والذي اتهم بتعذيب طفل فلسطيني في مدينة الخليل.
وقال أبو علان "الإعلام الإسرائيلي كالمستوى السياسي دائماً يأخذ بالنتائج ولا يتعاطى مع الأسباب، فقراءة وتحليل أحداث القدس تبدأ من لحظة اندلاع الاحتجاجات الفلسطينية دون العودة لدوافع هذه الاحتجاجات، مما يعني أن الإعلام الإسرائيلي يتعامل مع عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي وتدنيس المسجد الأقصى وهدم المنازل كممارسات طبيعة مشروعة، والمطلوب من الفلسطيني القبول بها والتعاطي معها دون أي احتجاج".
وقال د. أبو وردة إن هناك سياسة إخبارية لا تتسم بأدنى قدر من الموضوعية في تغطية ما يجري هذه الأيام، مشيرا إلى إن قراءة ما يصدر عن كثير من وسائل الإعلام العبرية يشير إلى أن التغطيات الإخبارية لتهيأ المجتمع اليهودي لتقبل أي خطوة تقوم بها قوات الأمن الإسرائيلية ضد مواطني القدس أو الفلسطينيين داخل أراضي عام 1948.