الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بين الموز والبرتقال بقلم نسرين مصلح

2017-10-02 07:13:09 PM
بين الموز والبرتقال
بقلم نسرين مصلح
نسرين مصلح

في إحدى أسفاري الأخيرة زرت مدينة دفعتني لتأملها والكتابة عنَّها. ولدت هذه الفكرة عندما استرجعت ما رأيته بشكل يومي من مساحات شاسعة مزروعة بالموزوالبرتقال، تجدها أينما وليت نظرك في الجبال والسهول، وحتى أمام بعض الشواطئ؛ مما استدعاني لأتأمل هذه المدينة التي تعتمد من السياحة والزراعة في دخلها.

 

ما رأيت في هذه المدينة دفعني للتفكير ملياً في أن التخطيط لا من حيث ارتباطه بالنجاح،وإنما من حيث صِلته بتحقيق الأهداف، وفي هذه المدينة من الأمثلة على ذلك الكثير، منطاهٍ محترف استطاع أن يجمع ما بين وظيفته في فندق مرموق وعمله الخاص في مزرعته التي تطرح خضار متنوعة، إلى حاكم الولاية الذي ينشئ ويفتتح عربة التلفريك في وقت قياسي من أجل الاستفادة من موسم السياحة.

 

وبين المساحات المزروعة بأشجار الموز وبيارات البرتقال الباسقة بفضل المناخ المتوسطي للمنطقة تكمن قصة مدينة قادرة على إلهام زائريها.

 

أنا أسكن وأعمل في بلد ما تزال "قيد التطوير" منذ عقدان من الزمن أو أكثر،لذا عندما أزور مدينة عدد سكانهايوازي عدد سكان رام الله والبيرةيساورني سؤال حيال ما نفتقر إليه لننجز عملية التطوير تلك.

 

بين الفكر والرؤية

لا يمكنني إنكار خصوصية فلسطين، وبحكم تواجد مجتمع المانحين فيها، فنحن غالبا ما نضع أمامنا نماذج بعيدة عن واقعنا، ولكن ذلك لا ينطبق على المدينة التي زرت والتي ليست بالبعيدةعنا جغرافيا ولا بنيويا، وبالرغم من أنني لا أقلل من عظم أثر الاحتلال على فلسطين، كما وأدرك صعوبة توظيف الموارد المتاحة لتحقيق تنمية أفضل داخل بلدنا،فالاحتلال لا يقف عائقا أمام تكوين رؤية واضحة لأنفسنا، ولعل ما ينقصنايتمثل بالوصوللإجماع على أهمية التخطيط الاستراتيجي لبلوغ النتائج المنشودة، وغالبا ما سيمكننا ذلك من السير قدما نحو ما نراه اليوم حلماً.

 

إن ما أثار إعجابي في هذه المدينة من كفاءة لإنجاز مرفق سياحي أو بناء طريق سريع في وقت قياسي ليس بالأمر العجيب، ولكنه يشد الانتباه لأنه وببساطة ما لا نجده في أوطاننا.

 

كيف تفكر هذه المدينة

أمضيت من الوقت والنشاطات ما يكفي لأتعرف على المدينة ليس فقط بعيون السائح ولكن بعيون أخرى تبحث عن الحلول، ولاحظت الكثير من الأمور بتفاصيلها الصغيرة أو شكلها العام، مما قادني لنتيجة ليست سهلة المنال تتمثل بالانسجام والتماسك المجتمعي كمحرك لتميز هذه المدينة، فالمصالح الشخصية لا تقف عثرة أمام الانسجام الذي نراه في أفعال الناس وكيفية إدارة وتيرة حياتهم اليومية،الأمر الذي ينعكس بالضرورةعلى المدينة بأسرها.

 

لقد زرت العديد من المدن، لذا لا أعتقدبأنني أستطيع وصف هذه المدينة بالغنية أو البرجوازية، ولكنني لم أرى مخلفات هنا وهناك أثناء تجوالي في سوق الخضار، كما وساقتني زيارتي شواطئ تختلف بأشكالها وطرق صيانتهاالغاية التي تصبو إليها هذه المرافق والتي تتجسد باستقطاب السياح بتنوع أمزجتهم، وتَمشيت على الأرصفة المحاذية للشواطئ، لأرى تشجيعا ملفتاً لممارسة الرياضة، إذ تتوفر أجهزة رياضية للعامة وأيضا ملاعب كرة قدم وسلة.

 

ما أندرَ أن دخلت إلى مرفق عام غير نظيف بالرغم من كثرة الناس،أضف إلى ذلك غياب قسمات الحقد أو المسكنة عن أوجه عاملي النظافة، بل ترى بهم أشخاص يقومون بعملهم على نحوٍ جيد دونما تذمر أو استجداء للمال.

 

المسار الذي سلكناه تحديدا باتجاه الجبال على طريق معبدة ومهيئةبامتياز، رأيت وجوها أكثر بساطة ومناطق أبعد عن الحضارة، ليدفعني ذلك للتفكر بمدى وهمية ونمطية هذا التوصيف عند مقابلة راع لأضاحي العيد يتحدث الإنجليزية في وسط الجبال ليرشدنا إلى الطريق إلى معالم الحضارة، ولا يتوانىبالتعبير عن حبه لفلسطين وشعبها،لكي لا أجد غير الذهول شعوراً خلال محاورته لنابالإنجليزية التي قال أنه لا يعرف منها إلَّا الشيء اليسير.

 

وقابلت طبيب أسنانخانته إنجليزيتهلإخباري ما استنتجه بمرور الأيام قائلاً: "هل تعلمين ما المشكلة؟العالم العربي لا يفكر للأيام البعيدة."

 

قضيت في هذه المدينة قرابة أسبوعين ما بين آب وأيلول لأزور الساحل، والجبال، والأحياء السكنية، والمكاتب الحكومية، والحقول الممتدة، والمزارعين الودودين، ومراكز التسوق، واللاجئين من العراق وسوريا، والباحثين عن عمل من إيران وبلدان أخرى، والسياح من أوروبا لأنها وجهة سياحية مقدور عليها لقضاء عطلة صيفية،وبكل هذا التنوع والخليط تمضي هذه المدينة قدما في استقطاب المزيد وإنجاز المزيد.

 

رحلتي إلى مدينة ألانيا في تركيا كانت ملهمة بعدة أشكال، فبالإضافة لما استوحيته منها على صعيد العمل وإجماع العائلة لتكون وجهتنا السياحية لقضاء إجازة نوعية، فقد مكنتني هذه المدينة من العودة إلى فلسطين بعيون ترى في الأخيرة بأنها ليست ببعيدة عن الفكر الاستراتيجي والتماسك الاجتماعي، اللذان إذا ما تحققا سيغدو المستقبل أجمل.