القدس بحاجة إلى عمل جاد بحاجة إلى مشاريع إسكان ودعم للمقدسيين
الحدث- محمد غفري
عندما نتحدث عن قضية فلسطينية وصراع مع محتل إسرائيلي، لابد أن ندرك تماماً أن فلسطين تميزت منذ فجر الخليقة وحتى اليوم عن غيرها من دول العالم بنسيجها الاجتماعي، على غرار ما تلونت به من نسيج جغرافي ومناخي، ففيها المسلم والمسيحي والدرزي والسامري والبهائي وغيرهم، الأمر الذي جعل من صراعنا مع المحتل الإسرائيلي يتجاوز مجرد صراع سياسي اقتصادي جغرافي، بل أمتد ليشمل المقدسات، وعلى رأسها مدينة القدس المحتلة منذ العام 1967.
وفي الآونة الأخيرة تطورت الأحداث في المدينة المقدسة وتصاعدت الهجمة الشرسة الصهيونية، وبخاصة بحق المسجد الأقصى، حتى وصل الأمر إلى إغلاقه واقتحام المسجد القبلي، الأمر الذي لم يحدث منذ بدء الاحتلال.
وكما يوجد المسجد الأقصى في القدس، توجد كنيسة القيامة، وكما قدمنا أبو عمار شهيداً قدمنا جورج حبش شهيداً أيضاً، فلا حديث عن قضية فلسطين، وبخاصة القدس بمعزل عن المسيحيين، ولهذا أجرت "الحدث" هذا الحوار مع المطران الأب عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، من أجل الحديث عن آخر التطورات لما يجري في المدينة المقدسة.
حسب رأيك، السياسات الإسرائيلية في المدينة المقدسة إلى ماذا ترمي؟
إسرائيل تدعي أن القدس هي عاصمة الشعب اليهودي، وهي تريد أن تزور التاريخ وتريد أن تشوه معالم القدس وأن تغير من معالم المدينة المقدسة، ولذلك نراها تستولي على الأوقاف وعلى العقارات، وتستولي على الأراضي وتسعى إلى ابتلاع المقدسات وما إلى ذلك، وبالتالي إسرائيل تريد أن تصنع لها تاريخاً في القدس.
كل ما تصنعه إسرائيل في القدس هو مشوه وهو مزور، لأن مدينة القدس هي مدينة عربية، وهي مقدسة للديانات التوحيدية الثلاث، ولا يحق لإسرائيل أن تستأثر بها ولا يحق لإسرائيل أن تدعي أنها مدينة يهودية وأن تنكر أهميتها لدى المسلمين ولدى المسيحيين، لدى المسلمين لأن المسجد الأقصى يعتبر من أهم المعالم الدينية، وعندنا كمسيحيين كنيسة القيامة فيها قبر السيد المسيح، والمسيح عاش في بلادنا وانتقل في فلسطين من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية يبشر بقيم المحبة والسلام وكل ما قدمه للإنسانية في القدس، لذلك تعتبر مدينة القدس من أهم المدن في الديانة المسيحية، وادعاء إسرائيل بأنها عاصمة الشعب اليهودي وأنها مدينة يهودية هو ادعاء باطل، وهو ادعاء فيه إساءة للعرب والفلسطينيين والمسلمين والمسيحيين، الذين يعتبرون القدس مدينتهم المقدسة وحاضنة مقدساتهم.
قامت إسرائيل مؤخراً بإغلاق المسجد الأقصى بشكل كامل، وهو الأول منذ العام 1967، هل هذا الأمر يعني أن الاحتلال سيضع قبضته على الحرم الشريف؟ وكيف تنظر لهذا الأمر؟
أولاً أعتقد أن إغلاق المسجد الأقصى هو عمل خطير جداً، وهو عمل ليس مسبوقاً، وهو عمل ليس استفزازياً فقط، وإنما عمل يمثل صفعة لكل عربي ولكل مسلم ولكل مسيحي، لا سيما أن المسجد الأقصى المبارك هو مسجد إسلامي، ويحق للمسلمين في أية ساعة أن يدخلوا إلى المسجد ويصلوا، سواء كان يوم الجمعة أو في يوم ثانٍ في رمضان أو في غير رمضان، يحق لكل مسلم أن يدخل المسجد الأقصى المبارك باعتبار أن هذا المسجد يعتبر أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
وبالتالي إن إغلاق المسجد الأقصى المبارك هو عمل خطير لا يجوز السكوت أمامه والصمت عنه، هو تجاوز لكل الخطوط، ولذلك نحن لا يجوز أن نكتفي أمام هذا التطاول الإسرائيلي على القدس، ببيانات الشجب والاستنكار، ولم تعد البيانات كافية ولم تعد المؤتمرات كافية ولم تعد الكلمات كافية مهما كانت جميلة، نحن بحاجة أن تؤخذ قرارات إستراتيجية لإنقاذ مدينة القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، والأقاف المسيحية والإسلامية المستهدفة.
وأتمنى من الفلسطينيين أن يوحدوا صفوفهم من أجل القدس وأتمنى من الأمة العربية أيضاً أن تتوحد من أجل مدينة القدس، ونحن نراقب ما يحدث في البلدان العربية من صراعات، والمستفيد الوحيد منها هو العدو الإسرائيلي، الذي يريد للعرب أن يلتهوا بمشاكلهم وصراعاتهم لكي يمرر مشاريعه وسياساته في القدس، لذلك أنا أتمنى من العرب أن يتوحدوا وأن تحل المشاكل بطرق سلمية وحوارية.
ما يحدث في البلدان العربية من صراعات، وصعود ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي يستهدف المسيحيين، كيف تنظر أنت كرجل دين مسيحي إليها؟
نحن مع الشعوب العربية في مطالبها العادلة، فعندما تطالب الشعوب العربية بالديموقراطية فنحن مع الديموقراطية، وعندما تطالب الشعوب العربية بحقوق الإنسان نحن مع حقوق الإنسان، وعندما تطالب بحياة أفضل نحن مع ذلك، نحن مع كل شيء جيد لأمتنا العربية ولشعوبنا العربية، ولكن عندما تتحول هذه المطالب إلى صراعات، إلى دم إلى قتل وتدمير وذبح وإلى تشويه لصورة الدين، فنحن لسنا مع هذا الشيء.
أنا أعتقد اليوم أن هناك مخططاً يهدف إلى تشويه صورة الدين الإسلامي، من خلال ما تشهده منطقتنا العربية من عنف يمارس باسم الإسلام، والإسلام من هذا بريء، وبالتالي من واجبنا المسلمين والمسيحيين أن ندافع عن صورة الإسلام الحقيقي وصورة المسيحية الحقيقية، وأن نعمل معاً وسوياً من أجل بلداننا وأوطاننا، ومن أجل فلسطين أولاً وأخيراً.
هناك من يصورون الإسلام على أنه سيف مسلط على رقاب الناس، وهذا ليس بالأمر الصحيح، ونحن في القدس منذ القرن السابع للميلاد، ومنذ ذلك الحين ونحن في حالة تفاعل دائم مع الإسلام، ولا نعرف هذه الصور التي يروج لها اليوم، وهذه صور غريبة عن الإسلام وعن ثقافة الإسلام، وأنا أعتقد أن من واجبنا جميعاً أن نعمل من أجل أن يتوحد المسلمون والمسيحيون معاً في دفاهم عن القدس موحدين، لأن وحدتنا هي قوتنا في دفاعنا عن القدس وعن فلسطين.
من هذا المنطلق، ما هي التحركات التي تقومون بها للجم هذه السياسات التعسفية بحق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة؟
نحن نقوم بسلسة من الاتصالات، قمنا باتصالات مع الكنائس العالمية ومع مرجعيات دينية إسلامية ومسيحية، ولكن الأهم من هذا وذاك هو ما يقوم به المقدسيون، الذين يتصدون للاحتلال بصدورهم العارية، وفي الحقيقة، المقدسيون هم أبطال هذه المعركة، معركة صمود القدس وبقائها والدفاع عن المقدسات، وبالتالي أنا أود أن أحيي شباب القدس الذي يتصدى لجنود الاحتلال، وأود أن أحيي الأخوة المرابطين ومنهم سيدات أيضاً يقفن في وجه الاحتلال الغاشم في مدينة القدس.
أنا أعتقد أن مواجهة الاحتلال يجب أن تكون مواجهة من خلال مخاطبة العالم، والعالم يجب أن يعرف ما يحدث، ومن خلال وحدتنا الوطنية، وكذك أيضا من خلال العمل الميداني، الذي يزيد من صمودنا وتمسكنا بالقدس، ولا تنازل أبداً عن القدس.
هل يوجد دور مركزي للكنيسة لحماية المقدسيين وصمودهم في القدس؟
لا يمكنني أن أتحدث عن دور المسيحيين في القدس بمعزل عن دور المسلمين، وبمعزل عن السياق الفلسطيني، ونحن لا نتحرك في مدينة القدس كطائفة منعزلة عن الشعب الفلسطيني، نحن ننسق في الحقيقة مع المؤسسات الدينية الإسلامية، الأوقاف الإسلامية والهيئة الإسلامية العليا والسادة العلماء ودار الإفتاء والشيخ عكرمة صبري، وكل هذه الشخصيات الإسلامية في القدس.
نحن نتعاون بشكل فعلي ودائم مع السادة العلماء ومع مسؤولي الأوقاف والمؤسسات الإسلامية في القدس لأننا نريد أن نظهر أننا شعب واحد، وعلينا أن نظهر أمام العالم في دفاعنا عن القدس كشعب فلسطيني واحد بكافة مكوناته الإسلامية والمسيحية، ونحن أيضاً كرجال دين مسيحيين لن نوفر جهداً في الدفاع عن المقدسات ولا سيما المسجد الأقصى المبارك، وأنا في كل جولاتي الأخيرة في العالم، دائماً ما أدافع عن المقدسات وعن الهوية العربية في القدس، وعن المقدسات الإسلامية والمسيحية.
بالحديث عن الرأي العام العالمي، ما هو رأي مجلس الكنائس العالمية بما يحدث في القدس من انتهاكات إسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء؟
أنا لست ناطقاً رسمياً باسم مجلس الكنائس العالمي، ولكن يمكنني أن أقول لك بأنني أتواصل مع كافة الكنائس بما فيها الكنائس الممثلة في مجلس الكنائس العالمي، وهناك تعاطف كبير، ونحن نتلقى رسائل في كثير من المؤتمرات المسيحية التي تعقد في أوروبا وأمريكا، تصدر مواقف قوية جداً تجاه القضية الفلسطينية، ونحن نطمح إلى ما هو أكثر من ذلك، ودائماً ما نرسل الوفود ونستقبل الوفود المسيحية من العالم، ونطمح إلى أن يكون هناك موقف مسيحي عالمي قوي مساند للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
تشير الأرقام الصادرة مؤخراً إلى ارتفاع في هجرة المسيحيين من القدس، برأيك هذا الارتفاع جاء نتيجة لسياسة متعمدة من قبل الاحتلال الإسرائيلي؟
أنا اعتقد أن السبب في هجرة المسيحيين من القدس هو الاحتلال الإسرائيلي، النكبة التي حلت عام 48 والنكسة عام 67 وتداعيات هذا الاحتلال على حياة الناس اجتماعياً واقتصادياً، وقد تكون هناك عوامل أخرى أيضاً لهجرة المسيحيين، ولكن تبقى هامشية أمام ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي.
هل يوجد لقاءات مع الجانب الإسرائيلي سواء كانت رسمية أو غير رسمية لوقف ما يحدث في القدس؟
نحن نرفض مثل هذه اللقاءات نحن لا نلتقي ولدينا موقف مندد بكل الاجتماعات التطبيعية، ولا نريد أن نزاود على غيرنا، ولكن نحن ككنيسة، وأنا شخصية عندي موقف رافض للقاء أي شخصيات إسرائيلية لأنني أعتقد أن هذا تطبيع، وحتى وسائل الإعلام، فنحن كثيراً ما تأتي إلينا وسائل إعلام إسرائيلية من أجل إجراء مقابلات، ونحن لا نعطي أي تصريح لأي وسيلة إعلامية إسرائيلية، فالإعلام الصهيوني الذي يحرض علينا ويصفنا بأننا قتلة ومجرمين لا يمكننا أن نعطيه أي تصريحات صحفية.
وأخيراً كمواطن مقدسي ما هي الرسالة التي تحب أن توجهها من خلال "الحدث" إزاء ما يجري في مدينة القدس ودعمكم كمقدسيين؟
المقدسيون في ميدنتهم ثابتون وصامدون، ولكن من أجل استمرار هذا الصمود وهذا الثبات نحن بحاجة إلى الدعم، وبحاجة إلى المؤازرة، ويجب أن تقف الأمة العربية إلى جانب المقدسيين ليس فقط لفظياً، إنما فعلياً.
نحن في القدس على سبيل المثال بحاجة إلى مشاريع إسكانية، وأدعو الرؤساء العرب وكل من يتحدث عن القدس، أن يبادر ويقيم مشاريع إسكانية في القدس، نحن في مدينة القدس لدينا مشكلة اكتظاظ سكاني في البلدة القديمة وكل أحياء مدينة القدس، وهو أهم موضوع بحاجة إلى معالجة، ونحن بحاجة بشكل سريع إلى إقامة مشاريع إسكانية، وطبعاً نحن بحاجة إلى دعم المدارس والمستشفيات المؤسسات الوطنية في مدينة القدس، ولكن في مقدمة هذا كله أنا أعتقد، الإنسان، لكي نحافظ على مدينة القدس يجب أن نعمل على بقاء المواطن الفلسطيني في مدينة القدس، الصمود يحتاج إلى بقاء الفلسطينيين في مدينتهم، لذلك نحن نمتنى من كل من يقرأ ما نقول أن يهتم بمشاريع إسكانية يجب أن تكون في القدس.