أودُّ أنْ أحدِّثَ القارئ الفلسطيني هذه المرَّة عن المعرض الدَّوْليّ للكتاب بالجزائر الذي امتدَّ من 30 أكتوبر إلى 8 نوفمبر، والذي يعتبر قبلة(لا بأس بضمِّ القاف أيضا) القرَّاء والكتَّاب والمهتمين بالشأن الثقافيِّ. إذْ في كلِّ عامٍ يُشقُّ له الرِّحالُ من مختلف ولايات الوطن، وتتوافد عليه الجماهير المختلفة لدرجة تجعلُ إمكانية إيجاد غرفة بنزلٍ في العاصمة أمرا صعبا. هل يعني هذا أنَّ الشعب الجزائري يقرأ بكثرة، صراحة لا أعرف، فالإجابة تحتاج إلى دراسة علمية ميدانية. لكنَّ ما يمكن أنْ تشهد به عينايَ هو أنَّ الجماهير المتدافعة في الأروقة والأجنحة تشتري الكتبَ، فلا تكادُ ترى رجلا أو امرأة خارجا إلا وفي يده حمولة من الكتب تحمل على السعادة. وإنْ كان لابدَّ من توجيه النقد، فهو على مستوى النَّشاطات المرافقة للمعرض التي تتناوب عليها الأسماء نفسها تقريبا، كما يمكن تسجيل حضور قليل من الجمهور. وإذ يمكن اعتبار هذه ظاهرة عامة في زمن التكنولوجيا الذي كسر المركزية التي كان يحظى بها المحاضر قديما؛ يمكن إرجاعه كذلك إلى تقصير في الإعلام الذي يدعو إلى هذه النشاطات ويغطيها ويبثُّها.
من ناحية أخرى يمثِّلُ المعرض الدَّوْليّ للكتاب فرصة للقاء الأصدقاء الكتَّاب، ذلك اللقاء العفويّ الذي يجمعك بأصدقاء لم ترهم منذ سنة تقريبا، تجدُ صديقا في جناح يقلِّب كتابا، أو يباغتك من ورائك أو ترفع رأسك فتواجه صديقا قادما نحوك مبتسما. والجميل في هذه اللقاءات العفوية أنها سرعان ما تتحوَّل إلى جلساتٍ ثقافية في المقاهي أو المطاعم المجاورة للمعرض يناقش فيها الشأن الثقافيّ والأدبيّ وإصدارات الأصدقاء المختلفة. وعن هذه الأخيرة أذكر بعضا مما تمكنْتُ من اقتنائه والاطِّلاع عليه:
كتاب"هذا المجاز" للروائيِّ الجزائري حبيب السائح، وقد جمع مقالاتٍ جميعها تتحدَّث عن الثقافة والأدب والنقد، وتميَّز باهتمامه بالأدب الجزائري من خلال كتابته عن أعمالٍ كثيرة صدرتْ لشباب خاصة. وقد صدرتْ للكاتب نفسه طبعة ثانية من روايته:"مذنبون لون دمهم في كفِّي"، وترجمة لها إلى اللغة الفرنسة أيضا.
"الخابية"، وهي رواية أولى للقاصة الجزائرية جميلة طلباوي تتناولُ فيها موضوع المكان، وتحديدا القصور الأمازيغية الصحراوية، وعلاقتها بالشخصية الحضارية لسكان الجنوب.
"الثلجنار"، وهو تجربة زجلية مشتركة بين الشاعر والروائي الجزائري عبد الرزاق بوكبة والشاعر المغربي عادل لطفي، ويمتاز، على خلاف الشعر الشعبي السائد، بلغته الحداثية وصوره المبتكرة وهو تجربة جديرة بالاهتمام والدراسة.
"حروف دْواخْلي"، للشاعر توفيق ومان، وهو شعر شعبي يمتاز بمسحته الصوفية ومناجاة الحرف باعتباره الملاذ والمنجى.
"Alien الوحش الذي يصنع ملح المائدة"، مجموعة شعرية للطيّب لسلوس تتميّز بلغتها الرمزية وإيغالها في الدّلالات القديمة للإنسان، وخطابها الشعري الأقرب إلى الأساطير.
وأذكر إضافة إلى هذه الأعمال:"مثل كل الدهر يشبه صمته"(شعر) لميلود حميدة،(La Vie Toujous Dans Le Bleu)وهو ترجمة لأشعار علي مغازي إلى الفرنسية، "نون"(شعر) لنعيمة نقري، "أرض الكلام" لسفيان زدادقة، وفي الدراسات:"الشعرية العربية تفاعل أم تأثر" لـ د.زروقي عبد القادر، و"البنية الدّلالية في شعر أدونيس" لراوية يحياوي...إلخ.
بقيتْ إشارة أخيرة إلى بعض الكتب الجميلة التي من حقِّ القارئ، ومن واجب القراءة، أنْ نوصي بها، كما أوصانا أصدقاء وأغرونا بقراءتها أو وجّهونا إليها، أو أغرينا بعضهم بها. فمثلا حصلتُ على رسائل السهروردي بفضل صديقي الروائي عبد الوهاب بن منصور، و"عشتُ لأروي" لماركيز بإشارة من الروائيّ البهي حبيب السائح، وكتاب"تصوُّف" لنيكوس كزانتزاكي بتوصية خاصة جدا من طرف الروائي والأكاديمي د.سعيد بوطاجين. لكنَّ كتبا أخرى تجمعنا بها الصدفة لا غير، فكتاب "منطق الطير" لفريد الدين العطّار مثلا رأيته صدفة وأنا أشتري كتاب"داروين" لمايكل ريوس، وكم كان مبهجا أنْ أعرِّف دارون على العطّار، بل أنْ أنظر إلى نقاط التلاقي بين فكرة التطوّر وفكرة السلف المشترك الذي تبحث عنه الطيرُ:السيمرغ، وفكرة البقاء للأصلح في كتاب العطّار، الأصلح بمواصلة الرحلة إلى آخرها:إلى الله.
أيها القارئ الجميل، يمكنك اعتبار هذا المقال في مديح الكتاب وفي السعادة به، فاقرأ لتكون دائما بخير، فالعالم ليس ما نراه دائما، هو أيضا ما نقرأ عنه ونراه بعيون المبدعين والمفكرين والفنانين.