السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحرية الوردية.. بعد مرور ما يقرب من قرن على ثورة 1919 بقلم: مريم ريان

2014-11-10 01:03:36 AM
الحرية الوردية.. بعد مرور ما يقرب من قرن على ثورة 1919
بقلم: مريم ريان
صورة ارشيفية


بقلم: مريم ريان
في صغري ظننت أن المرأة العربية تتمتع بكامل حقوقها فكل ما يناقش من قضايا حقوقية في المناسبات والمحاضرات، ليس سوى جسر عبور للإفلات من المعتقل الروحي والجسدي والعقلي الذي عاشت فيه المرأة سنوات طويلة جداً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المطالب التي تنادي بها التجمعات النسائية منذ أن خرجت المرأة المصرية أول مرة للمشاركة في ثورة عرابي احتجاجاً على استبداد أسرة محمد علي، ومن ثم مقاومتها للاحتلال الإنجليزي في مدينة الإسكندرية ليرى عملها الوطني النور في ثورة 1919. فرغم المؤازرة والدعم اللذين حظيت بهما الحركة النسائية من الزعيم سعد زغلول، وخروجها بمظاهرة 20 مارس/ آذار من العام ذاته، إلا أن شيئاً لم يتغير في الواقع المرير، ببساطة شديدة.. كنت مخطئة!
الكتّاب الذين أسهموا في تمكين المرأة للقيام بدورها في خدمة المجتمع المحلي وتفعيل علاقتها به، أغفلوا العمل الجاد على إيجاد ثقافة تحترم المرأة وتدرك إمكاناتها في دفع عجلة التنمية إلى الأمام. فهم ركزوا على رسم استراتيجية طويلة المدى لطرحها وقضيتها للبيع والشراء في أسواق ذكورية. في زمن الثورة تلك، عمدت الصحافة بقيادة الدكتور محمد حسين هيكل صاحب جريدة "السياسة" إلى تسليط الضوء على قضايا عديدة خاصة بالمرأة، بمؤازرة بعض كتاب المجلات وغيرهم ممن تأثروا بأفكار قاسم أمين صاحب كتاب "تحرير المرأة" الذي نشره عام 1899، بدعم من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وأحمد لطفي السيد. فكان الحديث يدور حول رفع الحجاب أو سدله، ارتداء التنورة القصيرة أو الطويلة، حتى أن البعض طرح صورة للمرأة المثالية وهي على شاكلة النموذج الأوروبي الذي يجب أن تقلده المرأة العربية (المصرية على وجه الخصوص). لكن، ورغم أهمية هذه الحركات "التحررية" إلا أنها بقيت قاصرة عن مواكبة النضال الفعلي للحركات النسوية ودورها الإيجابي في تغيير الصورة النمطية للمرأة العربية التي حرمتها طويلاً حقها في التعليم والصحة والعمل والمشاركة في الحياة الاجتماعية. كما أن تلك الحركات لم تكن بحجم الإنجازات التي حققتها بدخولها معترك العمل السياسي، وفوزها المستحق بالكثير من المناصب المهمة في دول المنطقة العربية، وحتى بعض الدول الأجنبية التي كرمت العقول العربية النسائية مثل: انتخاب المغربية "هدى العلوي هاروني"، نائبة لرئيس المجلس البلدي لمدينة هالمستاد السويدية عن حزب المحافظين، و"فاطمة شمعة" رئيسة لشؤون المهاجرين" في الولايات المتحدة، و"منى دزدار" أول نائبة في البرلمان النمساوي من أصل عربي، وغيرهن كثيرات.
فيما بعد، جاءت سينما الخمسينيات والستينيات والسبعينيات في مصر ولبنان، لتطرح العديد من قضايا المرأة في أفلامها، إلا أنها وكمحصلة نهائية كانت تدفع بمجتمعاتنا العربية إلى الانحدار، إلى حد بات معه أفراد المجتمع يتعاطفون مع الخيانة الزوجية على سبيل المثال ويوجدون المبررات لها، هذا فضلاً عن ترويج العديد من أفلام تلك الحقبة للدعارة والعمل في الملاهي وسلوك طريق الضياع من خلال التركيز على حالات الحزن الشديد وفقدان الأحبة والهروب منها عبر تعاطي المخدرات والانغماس في الشهوات والملذات،..إلخ. والنتيجة الطبيعية، غياب دور الأب القدوة عن الكثير من الأسر العربية، واندثار مفهوم الأم الفاضلة التي تعتني بصغارها وتنشئ جيلاً واعياً قادراً على تحمل المسؤوليات ولعب دور فاعل في تطور المجتمع وتقدمه، وكذلك مفهوم الاحترام المتبادل والألفة والمحبة بين جميع أفراد الأسرة الواحدة. كل ذلك أدى إلى المعاناة التي تشهدها مجتمعاتنا العربية من جرّاء انتشار حالات الطلاق وما يتبعها من آثار سلبية على الحياة الاجتماعية للشعوب، والسقوط الكبير للقيم والأخلاق والمبادئ، وتقبل الرذيلة والانحلال والفساد على أنها انعكاس للتحرر وتحرير المرأة.
في محاضرة حول حقوق المرأة ألقتها أستاذة أمريكية من أصل أفريقي في الجامعة الأردنية عام 2002، وكنت آنذاك طالبة متحمسة للعمل الحقوقي وقضايا المجتمع، اعترضت على تناولها مواضيع مثل الحجاب وحرية الخروج من المنزل والحفلات والسهرات والترويج لها على أنها مشاركة في الحياة الاجتماعية وخدمة الشعوب، وتساءلت أمامها عن الحلول الحقيقية لمعاناة الأم الفلسطينية والعراقية (حيث لم تكن السورية والليبية واليمنية وغيرهن قد أدرجت بعد على قائمة حروب الإبادة)، وعن دور منظمات حقوق الإنسان ومسؤوليتها عن الأضرار الجسدية والنفسية والاقتصادية لتلك النسوة. اليوم أضيف سؤالاً عمن يعيد لهن أولادهن وآبائهن ورجالهن!.
بعد مرور ما يقرب من قرن على ثورة 1919، تظن المرأة أنها تحررت مما يسمى القيود الاجتماعية. لا يمكننا أن نتجاهل أنها مازالت -رغم قناعة الكثيرات بعكس ذلك - تعاني من الاضطهاد ذاته الذي يسود المجتمعات العربية، والذي هو نتاج حتمي لعوامل عدة، أهمها: التسلط الذكوري؛ وغياب دور الأسرة في خلق بيئة تتساوى فيها الحقوق والواجبات ما بين أبنائها من ذكور وإناث؛ وعدم قدرة النظام السياسي على تبني مبادئ الديمقراطية التي من شأنها تطوير المجموعات الإنسانية وتفكيك بنية الواقع الاجتماعي العربي التقليدي ليتشكل على  أنقاضه واقع أفضل يأخذ بعين الاعتبار تطوير منظومة متكاملة من الثقافة التنموية. كل ذلك زاد من تهميش المرأة التي لا تدرك حتى الآن أنها مازالت قيد السيطرة، بعدما نفذت ما خطت لها صحافة الثورة آنذاك التي كتب فيها أحدهم: "المرأة الأوروبية عندها واجبان مقدسان، بيتها ووطنها وبين الواجبين تخصص ساعة لنفسها فتحضر حفلاً موسيقياً أو تدعو أصحابها لليلة راقصة، من دون أن تنسى الوقوف أمام المرآة لتتزين فتتذكر دائماً أنها امرأة. إنها في نظري مثال المرأة الأعلى، ويستحسن بالمرأة الشرقية أن تقتبس عنها كل شيء". للاسف، لم يذكر الكاتب شيئاً عن واجب الوطن والبيت والأطفال، بل وكأنني أرى في المرآة انعكاساً لشهواته أفكاره الحقيقية عن المرأة التي يرغب في امتلاكها. أما نساء اليوم فأجزم أنهن يتجاهلن المقطع الأول من هذه المقولة، ويكتفين بالوقوف أمام المرآة للتزين وتقليد نمط حياة المرأة الأوروبية.
العبودية رجل يتخلى عنك من أجل أخرى أجمل أو أصغر سناً وتتمسكين به مثل سمكة علقت بطعم زائف. وهي أن تتعرضي إلى شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي أنتِ وأبنائك، وبالتالي تقدمين للمجتمع شباباً ضائعاً يعاني عدم الاستقرار وانعدام الثقة بالنفس وعدم الاعتماد عليها، فضلاً عن فقدان المرونة في السلوك والتفكير، وتلك نتيجة حتمية لممارسات رب الأسرة من كذب وخداع وافتعال للمشكلات، والجلوس أو الخروج من المنزل هرباً من الأسرة. العبودية باختصار مجتمع يبخسك حقك في تقرير مصيرك ويحاسبك لاحقاً على أخطاء ارتكبها أفراده. هي دولة لا تعمل على نشر الوعي بين الشباب العربي ووضع قوانين رادعة للممارسات العنصرية بحق المرأة في الأسرة والعمل والشارع. 
ارفعي حجابك أو اسدليه.. المهم أن تحلّقي عالياً بفكر مستنير.. فذاك هو الطريق الأمثل نحو الحرية الحقيقية والتغيير الإيجابي.