الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في الذكرى ال23 لخالد الحسن: لا قيمة لنجاح الماضي إن لم يكن طريقاً للمستقبل

2017-10-07 12:05:58 PM
في الذكرى ال23 لخالد الحسن: لا قيمة لنجاح الماضي إن لم يكن طريقاً للمستقبل

ملفات مميزة

عبدالرزاق خليل - التعبئة الفكرية والدراسات – إقليم سوريا

مقدمة:

 أي كتابة عن خالد الحسن ( أبو السعيد ) تبقى ناقصة لا تفي هذا القائد الفلسطيني حقه، ولا يستطيع أي كان أن يدعي الاحاطة بسيرته رغم وضوحه وصراحته الشديدة في حياته.

 

كان القائد الأخ خالد الحسن (رحمه الله ) تجسيداً للفلسطيني في ترحالة( فلسطين – مصر – صيدا – بيروت – دمشق – الكويت – المغرب ) . بعد أن أغتصبت أرضه ومدينته حيفا عشقه وخبزه اليومي.

 

كان القائد خالد الحسن تجسيداً للفلسطيني في أسفاره لإقناع العالم بظلمه للفلسطيني ، وبحقه بالعودة إلى دياره في فلسطين …. كل فلسطين .

 

كان خالد الحسن تجسيداً للقائد الفلسطيني في انتمائه ، وإخلاصه لفكره ، وعمله ، وفي تنفيذه لمهامه .

 

كان خالد الحسن مفكراً ، باحثا ً عن الحقيقة ، يرفض احتكار الصواب ، ومحاورا ً يحسن الاستماع ، ويتقن أدب الحوار ، فكان احترام مخالفيه له كبير ا ً.

 

كان القائد خالد الحسن ينتمي إلى السياسة الواقعية، والسياسة عنده فن الممكن في إطار العدالة ، لذلك كان صادقا ً في شعاراته وتصوراته للمستقبل.

 

إلا أن المميز في القائد خالد الحسن (رحمه الله )انه كان أكبر ممن حوله، لذلك كان يضع مهامه لنفسه ثم ينفذها بإتقان ملفت للنظر ، ولأنه كان أكبر ممن حوله فقد كان متقدما ً عنهم عشرات السنين بفكره ورؤاه السياسية ، التي ثبتت صحتها مع مرور السنين ،لا لأنه يملك السحر ، ولكن لأنه كان يرتكز على قاعدة علمية وعقلية ، تدعمها شبكة واسعة من العلاقات والمصادر الفلسطينية والعربية والدولية ، مما جعله يستحق ما لقب به بالمفكر والمنظر الاستراتيجي .

 

لقد كان عملاقا ً متواضعا ً ، وفلسطينيا ًعملاقا ً .

 

وأخيرا ً .. سيبقى الشهيد القائد أبو السعيد علما ًمضيئا ً في التاريخ الفلسطيني والفكر العربي، وسيظل أيضا ً مثارا ً للجدل حتى يلقي الزمن ظلاله على حقيقة أفكاره.

 

رحم الله ( أبو السعيد ) .. فهو مازال وسيبقى معنا بفكره وكتبه ، وتراثه النضالي ، وستظل تتناقله ذاكرة شعبه حتى يصبح الحلم حقيقة في العودة إلى حيفا …إلى كل فلسطين .

 

حياة خالد الحسن :

خالد الحسن عربي من مدينة حيفا في فلسطين.

ولد من والدين فلسطينيين عام 1928م في حيفا .

توفي والده وعمره ستة عشر عاما ً.

 

عمل في إحدى الدوائر الحكومية الفلسطينية ، بعد أن ترك دراسته ليؤمن لقمة العيش لأسرته التي تتكون من سبعة أفراد لأنه الأكبر لأشقائه.

 

عام 1948م هاجرت أسرته إلى صيدا متخلفا عنها ، وعندما نظر إلى حيفا نظرة الوداع المتيقنة من العودة ، لفظته باخرة التهجير التي ركبها إلى مصر، وكان عمره عشرون عاماً .

 

بعد عام استطاع الالتحاق بإسرته في صيدا … وليختار منها رفيقة حياته .

عام 1950م انتقل وأسرته إلى مدينة دمشق العاصمة السورية.. وأقاموا لفترة في حي القيمرية ، ثم انتقلوا إلى حي الميدان ، ليكون مقر العائلة الدائم .

 

عمل في دمشق مدرساً في ( المعهد العربي الإسلامي ) .

عام 1953 م انتقل إلى الكويت وعمل في مجلس الإنشاء والاعمار الذي حمل عبء تخطيط وبناء الكويت الحديثة ، ثم انتقل إلى المجلس البلدي كأمين سرله .

 

كان من حملة الفكرة القائلة (لابد من قيام عمل فلسطيني مستقل يكون رأس الحربة في الصراع العربي الصهيوني من أجل تحرير فلسطين ) .

 

عام 1957م شارك في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح )، وكان في لجنتها المركزية الأولى، وحافظ في عضويتها انتخابيا ً في جميع المؤتمرات الحركية العامة.

 

عام 1967م تفرغ للعمل الوطني .

عام 1968م أعاد صياغة الميثاق الوطني الفلسطيني مع المحامي الأخ إبراهيم بكر .

 

من عام 1968م – 1974م عمل في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية و رئيسا ً لدائرتها السياسية، وقدم استقالته منها لأسباب تتعلق بالرؤية السياسية.

 

عمل مسؤولا ًعن التعبئة والتنظيم .

عمل رئيسا ًللجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الفلسطيني .

 

عام 1976م أسندت إليه مهمة الدبلوماسية الفلسطينية السرية لإقامة علاقات مع أوروبا وأمريكا.

عمل مفوضا ًعاما ً للإعلام الفلسطيني، وكان وراء عدة نشرات ودوريات في العالم الغربي.

نسج العلاقات السياسية مع جميع دول الخليج ، ومصر وتونس والمغرب .

 

بعد حرب الخليج الثانية، سحبت حكومة الكويت منه الجنسية الكويتية التي منحته إياها، لإسهامه في بناء الكويت الحديثة، واحرق منزله الذي يحتوي مكتبته وأرشيفه الخاص رغم موقفه الواضح من اجتياح الكويت من قبل العراق.

 

انتقل وأسرته إلى مدينة الرباط في المغرب بعد أن منح وعائلته الجنسية المغربية.

توفي في الرباط في اليوم السابع من تشرين الأول عام 1994م ووارى جسده الثرى في اليوم التاسع منه، بعد أن طوى ستة وستين عاما ً، من النضال والفكر والعمل السياسي الفلسطيني.

شيعه المغرب كبطل قومي، وميز تشيعه حشود النخبة في العالم العربي والغربي.

 

التكوين الفكري والسياسي:

إن النسيج الفكري والسياسي لخالد الحسن هو نتيجة عدة عوامل تضافرت عبر الزمن في داخل خالد الحسن منذ السنوات الأولى من عمره – متلقيا ً- مجربا ً- مفكرا ً – منظرا ً في سلسلة تراكمية، يملك صاحبها عقرب التوجه و التوجيه في بوصلة الحياة المليئة بالأحداث السياسية والمآسي الوطنية والإقليمية ضمن أمواج متلاطمة من الأيديولوجيات المتصارعة منها القومي – الوطني – الديني – والشيوعي – ضمن مشاريع نهضوية لم يكتب لها النجاح بسبب صراع الاستعمار الغربي على الوطن العربي واستثمار الحركة الصهيونية لهذا الصراع وما أدت إلى نتائج نعاني منها حتى الآن.

 

إن من أهم هذه العوامل :

والده محمد سعيد الشيخ حسن والمكنى بأبي مسعود ،وكان مقربا ًمن الشيخ عز الدين القسام ،وقد فقد إحدى عينيه ضمن الأحداث النضالية ضد الانتداب البريطاني ، قبل أن يفقد بصره نهائيا ً ، قبل وفاته ، وفي حياة والده كان لخالد الحسن منبعان للتلقي :

 

الأول : فكر وتوجيه والده ضمن الأسرة :

فالدرس الأول – له – كان في اليوم الأول لإلتحاقة في إحدى مدارس الانتداب البريطاني ، وكان الدرس صارما ً من والده (( يا خالد .. إنت ذاهب لتتعلم .. لا لتتثقف )) .. كان على هذا الصبي الصغير أن يعي الفرق بين عالمية العلوم وخصوصية الثقافة.

 

الدرس الثاني – والذي لازمه طيلة حياته، وهو قول والده لوالدته (( إن أحسن أولادك تربية أولادهم .. تكوني قد أحسنت تربيتهم )) ، ومن وقتها أدرك خالد الحسن أن لا قيمة لنجاح الماضي إن لم يكن طريقا ً للمستقبل  ، ودون أن يعرف أي مستقبل ينتظره .

 

الثاني : صحبته لوالده في زيارات القسام :

لقد كان القسام من الشخصيات التي أثرت في شخصية خالد الحسن، وقد اتاحت صحبته لوالده في زيارات القسام ، أن يتعلم حسن الاستماع في زمن عمره لا يسمح له بالحوار في جلسات الكبار ، وان النضال في أي بقعة عربية ليس حكراً على أحد .

 

ب – إنتسابه إلى النادي الإسلامي في فلسطين وتأثره بأبرز شخصياته الشيخ نمر الخطيب ، ولكن هذه التجربة لم تطل بسبب الأحداث المتلاحقة في فلسطين ،وما نتج عنها من التهجير،  إلا أنها كانت ملامسته الأولى للعمل المنظم .

 

ج – في سوريا: كانت الفترة التي قضاها خالد الحسن في دمشق قبل سفره إلى الكويت محطة هامة في تكوينه الفكري والسياسي، وفي تجربة الممارسة التنظيمية.

 

في تلك الفترة (1950م –  1952 م ) كانت سوريا تمر بتغيرات متسارعة وتشهد ولادة تشكيلات سياسية مختلفة تشبه تلك المحطات التي تسبق إستقرار الدول الحديثة الاستقلال ، ومثله كمثل كل الشباب الفلسطيني الذي لجأ إلى سوريا باحثا ً عن موقع في أحد الأحزاب على أنه عمل من أجل التحرير والعودة كما كان سائدا ً في ذلك الوقت ، وهذا ما أتاح له التعرف على كل التيارات الفكرية والسياسية والحزبية، وكانت أهم تجربتين له في سوريا هي :

 

العمل مع مصطفى السباعي كمساعد له وليس كحزبي.

انتسابه إلى حزب التحرير الإسلامي بزعامة تقي الدين النبهاني، هذا الحزب الذي كان يتميز بغالبية فلسطينية ، ولم يطل الانتساب فتركه وآخرين كالمرحوم نمر المصري ، بسبب الخلاف حول الفردية وحكم الشورى .

 

هاتان التجربتان في سوريا بالإضافة إلى تجربة النادي الإسلامي في فلسطين ، وتأثره بالقسام والخطيب  وتوجيهات والده، من العوامل التي رسخت مفهوم التراث والدين في فكر خالد الحسن .

 

د – البناء الذاتي:

هذه الشخصية الفلسطينية والعربية الدولية التي إن استمع إليها المرء وهي تتحدث في السياسة أو القانون الدولي أو التاريخ أو الفلسفة أو في الدين حتى في الأمثال الشعبية، يظن نفسه انه أمام أستاذ من أكبر الجامعات.

 

كيف تكونت هذه الشخصية ، ولم تحصل من العلم الأكاديمي إلا الشهادة الثانوية (البكالوريا ) من جمعية المقاصد الإسلامية ..؟

 

انه البناء الواعي للذات الذي يعرف صاحبها كيف يستعمل عقله في أقصى طاقاته .

كيف ؟؟

في الحوار …. نعم .. في الحوار المباشر مع كل الفئات الثقافية والسياسية، والحوار مع كل الكتاب والمفكرين والسياسيين والأحزاب وكل العلوم الإنسانية و من خلال الورق.. ورق الكتاب.

 

كان خالد الحسن يعشق الكتاب وحواره  كعشقه للحوار نفسه ، بتواضع الباحث عن الحقيقة، وفي الكويت كان يملك مكتبة كبيرة شاملة ، من ماركسية وماوية وتاريخية وفلسفية ودينية وتراثية وقومية وأدبيات الأحزاب ، وقل ما تجد كتبه خالية من الحواشي بخط يده ، يحاور كاتبها مؤيدا ً أو مفندا ً أو مضيفاً ، تساعده اللغة الإنكليزية التي كان يستعملها بطلاقة في قراءة الكتب المكتوبة بها .

 

إن مرحلة بناء الذات لدى خالد الحسن، كانت مرحلة تفاعلية بين التلقي والتأمل والتنظير التي ستصقلها الممارسة وتطورها فيما بعد .

 

و – المسؤولية :

من الطبيعة الإنسانية أن يتحمل الإنسان المسؤولية بالتدريج مع تقدم العمر وتراكم الخبرة ، ولكن أن تصبح رب أسرة كبيرة نسبيا ً وأنت بين سني الصبا وعتبة الشباب فهو الاستثناء، وأن تنجح في تأمين لقمة العيش لأسرتين مع النجاح في ممارسة نشاطات الهم العام ، فهو استثناء الاستثناء ،فما هي نتائج المسؤولية التي مرت بمراحل الجوع والكفاف قبل أن تصل إلى الرفاهية النسبية ؟

 

على مستوى أشقائه كان بمثابة الأب لهم ،خمسة أشقاء ، أربعة منهم أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني (خالد – علي – هاني – بلال ) ، ثلاثة منهم تولوا قيادات بارزة في العمل الوطني الفلسطيني ( خالد: عضو لجنة مركزية فتح +عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية )، ( هاني : عضو اللجنة المركزية لحركة فتح) ، ( بلال : عضو المكتب السياسي / سابقا ً / في الجبهة الديمقراطية – صحفي وكاتب ومفكر) ، …هل هذه من حالات الاستثناء ؟

 

على مستوى أولاده :

سعيد : بكالوريوس في الهندسة المدنية وماجستير في العلوم السياسية ودكتوراه في القانون الدولي ويعمل محاضرأ في إحدى جامعات المغرب وارثاً عن أبيه الهم الوطني والفكري .

 

هيثم : دكتور مختص في جراحة الأوعية الدموية ، وزميل للبورد البريطاني وأحد المشاركين في تأسيس البورد العربي ، يعمل محاضراً في إحدى جامعات الوطن وجراحا ً في إحدى مشافيه .

 

أسامة وناصر: من رجال الأعمال الذين يشقون طريقهم بعد تخرجهم من الجامعات .

فهل صدقت مقولة والده إلى والدته وكان أبو السعيد أمينا لها .

 

هذه العوامل بالإضافة إلى موهبة خلقت مع خالد الحسن ، ومحرضا ً أسمه فلسطين ،هي التي جعلت من خالد الحسن مشروع قائد سياسي ، ومفكر عربي ، ومنظر استراتيجي، ورجل دولة ، تلك الصفة التي قل من حاز عليها في الثورات .

 

لنتقدم أكثر نحو فكره ومواقفه وممارساته، بهدوء الحليم ، وعقل الحكيم ، وموضوعية الباحث …. تلك الصفات التي كان يتحلى بها خالد الحسن .

 

خالد الحسن السياسي المثقف :

خالد الحسن من السياسيين القلائل الذين ولدوا سياسيين واستطاعوا أن يزاوجوا بين الثقافة والسياسة ، لقد كان عند اتخاذ أي موقف يستحضر التاريخ والتراث ومواقف الأصدقاء ومواقف الأعداء والامكانات المتوفرة ضمن موازين القوى لجميع الأطراف ذات الصلة بالصراع ،وكان دائماً يرى (( ضرورة الانشغال بقضايا الاستراتيجية سبيلا ً للتحكم في قضايا التكتيك )) ، (( كان يصدر موقفه من خلال فهمه للظروف التي تحيط بقضيته لامن خلال خضوعه لهذه الظروف أو ممالاته لها )) (1) ، كان خالد الحسن صاحب رسالة من خلال قضيته ،وصاحب قضية لها رسالة مركز التنبه فيها – فلسطين –  انعكاساتها تصل إلى حدود العالم بأبعادها التاريخية والحضارية والإنسانية والاقتصادية (( لو استقرأنا التاريخ للاحظنا أنه لم تمر مرحلة تاريخية إلا وكانت منطقتنا جزءا ًمن السياسة الدولية لتلك المرحلة ، كذلك للاحظنا أنه لم يسبق لدولة أو مجموعة دول مختلفة احتلت المكانة الأولى في العالم إلا وكان لها مركز خاص في هذه المنطقة … الفرس – الأتراك – البريطانيون – الفرنسيون – والآن الأمريكيون، كذلك فإن هذه المنطقة عندما ظهر فيها محمد (صلى الله عليه وسلم) واستطاع هو وخلفاؤه من بعده أن يوحدوها سادت هي العالم وأصبحت تتحكم في السياسة العالمية … هذا من ناحية الموقع الاستراتيجي والأثر السياسي ، أما من ناحية الخيرات فالأمر يصل إلى نفس النتيجة، ففي الماضي كانت هذه المنطقة مصدر الغذاء العالمي بما تملكه من قمح … والآن النفط الذي يشكل الطاقة الأساسية في عصرنا الحديث )) (2) .

 

وقد كان يدرك أن الوجه الآخر للصراع هو صراع بين قيم الحضارة العربية الإسلامية المبنية على الحق والعدل والمساواة ، وقيم الغرب المبنية على المصالح والمنفعة مشخصا ً(( أن الخطر القائم في بلادنا ونعاني منه منذ الحروب الصليبية ،هو خطر الغرب في عهد الإقطاع وفي عهد الرأسمالية الصغيرة …

 

والآن في عهد الرأسمالية العملاقة … خطر الاستعمار الذي يمثل تغيير كل مافي مجتمعاتنا من قيم لصالح قيمه ))(3) ، وقد كان حاسما ًفيما هو تحدي في الصراع العربي الصهيوني(( لا بقاء للصهيونية أو للعروبة إلا بزوال إحداهما ))(4) ، كذلك كان واضحا ًفيما يتعلق بقانون الحياة والمسار التاريخي والحضاري من هذا الصراع وتداخلاته مع إرادة الدول الاستعمارية (( إن إرادة الكبار أقوى من إرادة الصغار … وقانون الحياة اكبر من إرادة الكبار وان قانون الحياة يتناقض مع الصهيونية ، والصهيونية تتناقض حتما ً مع الإنسانية ومع المسار الإنساني للتاريخ ومع المسار الحضاري العربي الإسلامي لمنطقتنا ))(5) ، ولكن من خلال موقعه السياسي كمنظر وممارس وفهمه للعلاقات الدولية وموازين القوى والواقع الذي يعيشه الجانب العربي كإمكانيات سياسية وعسكرية واقتصادية وقرار سياسي فانه يعتبر(( إن موازين القوى العالمية والظروف الدولية السياسية والاجتماعية لن تسمح بزوال الصهيونية / ككيان في فلسطين / بالحرب في هذه الحقبة الزمنية ، ولذلك لابد للصراع إلا أن يقوم على سياسة المراحل )) (6) ، مؤمنا ًبالمستقبل من خلال استثمار الشعب لظروفه في صناعة المستقبل (( علينا أن لا ننسى أن حضارتنا تعلمنا أن توظيف الإنسان لظروفه – وليس السير التلقائي لظروفه –  هو الذي يصنع مستقبله ، فلا يصح أن نسقط من اعتبارنا ما ستتمخض عنه الإرادة العربية ومنها الفلسطينية من أطر وادائيات نضالية في المستقبل ، فالانتفاضة في فلسطين مازالت تذكرنا بهذه الحقيقة ))(7) ، وقد كان فخوراً بانتمائه إلى شعبه والى أمته والى حضارته ، وكثيرا ً ما كان يستعمل في محاضراته في المؤتمرات الدولية ( كما سنرى فيما بعد ) (( إنني انتمي إلى شعب والى امة تؤمن …))(8) (( إنني انتمي إلى شعب والى أمة لا تعرف .. ))(9).

 

أما العقيدة عند خالد الحسن :

(( أ – هي التي تحدد القيم المجتمعية التي تحكم سلوك الأفراد والمجتمع والسلطة.

   ب – هي التي تحدد نظام الحكم في مجالات التشريع والتنفيذ والقضاء في الساحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية (الأسرية) وباتت تحدد معنى الحقوق والواجبات والمواطنة والحرية والمساواة والعدالة.

 ج – وهي التي تحول السلوك المنفعل الذي تقوده الغرائز من اجل المصلحة والمنفعة إلى رسالة على المستوى الداخلي والخارجي ، تحمل سلوكها الذي تقوده قيم العقيدة رسالة إلى شعبها وغيرها، فيرتفع بذلك مستوى الإحساس بالقيمة الذاتية للوطن والمجتمع والدولة مما يحقق قوة دفع معنوية وأخلاقية هائلة ..))(10) .

 

وعند دراسته المقارنة لحكم العقائد السياسية والإيديولوجية يستنتج (( أن جميعها كانت تحكم الناس إلا الإسلام كان يحكم بين الناس ))(11) ، والتاريخ عند خالد الحسن فهو (( يمثل الزمن الذي مضى يحمل معه سجل ومسار حركة التغيير، فمن المستقر والمعروف أن الفكر والفعل المترتب عليه هو المحدث للتغيير في مضمون الزمن القادم ))(12) .

 

خالد الحسن السياسي :

حتى نفهم خالد الحسن السياسي لابد أن نعرف فهمه :

للسياسة

المدرسة السياسية التي ينتمي إليها

فهمه للقيادة

فهمه للصراع والصراع الدولي

فهمه للدولة الفلسطينية ضمن سياسة المراحل

وهل كان خالد الحسن معتدلا ً ويمثل الاعتدال كما أشيع

1 ) السياسة: عند خالد الحسن(( هي رعاية مصالح الجماهير))(13) لذلك التفكير السياسي(( هو فن استكشاف الممكن تحقيقه من هذه المصالح في مرحلة معينة من مراحل النضال))(14) ، والممارسة السياسية لديه (( هي فن التعرف على ما هو حتمي في مرحلة ما يمكن استغلاله لصالح الجماهير من خلال فهم المرحلة النضالية وموازين القوى المشتركة في ساحة الصراع ومعرفة الممكن والحتمي والشعارات اللازمة للمرحلة ))(15) ، وأن التخطيط السياسي (( فيجب أن يتم على أساس أن ينطلق من فهم الواقع القائم باتجاه الواقع المطلوب ))(16) ، ولأن السياسة لا تمارس في الفراغ فهي (( صراع ارادات مرتبطة بقوى وبظروف وتوقيت))(17) مفرقاً(( بين الإرادة وبين حجم القدرة الممكنة لاستعمال الإرادة ))(18) ،ومميزا ًبين((برنامج العمل الذي هو التعامل مع الواقع المادي يوماً بيوم ))(19) ، وبين ((المبادئ التي هي دليل عمل وتضبط برنامج العمل في الاتجاه الصحيح ))(20) .

 

2 ) ينتمي خالد الحسن إلى مدرسة السياسة الواقعية التي تتعامل مع الممكن تحقيقه وتطويره باتجاه الاستراتيجية العليا ، لان السياسة هي أطراف وقوى وموازين قوى وتحالفات ومصالح واستراتيجيات وتعامل يومي مع الواقع المادي  ، فالسياسة عمليا ً عند خالد الحسن هي : (( فن الصدق مع الشعب ، وفن المناورة مع العدو ، وفن تحقيق الممكن المتراكم في إطار العدالة ))(21) ((وان الممكن يرتبط باستراتيجية الأطراف المتنازعة ، وان الممكن يرتبط بموازين القوى الذاتية في المنازعات ذات الصفة الإقليمية البحتة ، وان الممكن يرتبط أيضا ً باستراتيجية وموازين القوى لأطراف النزاع وحلفائهم في المنازعات ذات الصفة الدولية ))(22) ، وفن الصدق مع الشعب (( أن لاتعد القيادة الجماهير بوعد غير قادرة على تنفيذه ، لان ذلك يعني سقوط مصداقية القيادة … لان التعامل السياسي مع الجماهير يجب أن يقوم على الصدق وليس على المناورة والكذب … والصدق مع الجماهير هي البوابة الوحيدة لديمومة الوحدة الجماهيرية حول القيادة ))(23) .

 

لذلك حاز على احترام الجميع بما فيهم خصومه ، لأنه لم يشهد له يوما ً خروج عن مصداقيته داخل الثورة أو لقاءاته العربية الشعبية والرسمية  أو في الساحات الدولية التي اتسمت مع أبو السعيد بدبلوماسية المواجهة ، فعندما كان يقف على منابر الغرب  خطيبا ً كان يقول : (( من الأشياء المؤلمة في مسار أحداث التاريخ تلك النماذج التي يقوم أصحابها بصنع المشكلة ثم البحث عن حل لها … غالبا ً ما يقولون أننا لو ارتكبنا خطأ ُ في صنع المشكلة فلا يجوز أن نرتكب الخطأ في حلها ، وقد يكون بالامكان التجاوب مع ذلك لو كان عدم ارتكاب الخطأ الجديد لايعني التثبت الكامل للخطأ القديم )) (24) ،(( وكان احد القادة العرب الكبار يدعوه أحياناً لحضور لقاء مع وزرائه لشرح تطورات القضية الفلسطينية، وكان يقدمه لهم قائلا ً: تعلموا السياسة من هذا الرجل ))(25) ، (( وفي المهمات الصعبة كان الجميع يبحثون عن دوره وفي المنحنيات المصيرية كانوا يحرصون على معرفة تحليلاته وسماع رأيه ، وحين كانت القيادات الفلسطينية تبحث عن وجه / يبيض الوجه /  ويتقن عرض قضية شعبه في المحافل العربية والدولية، لم تكن تجد غير خالد الحسن البهي الطلعة ، الطلق اللسان ،  القوي الحجة ))(26) .

 

3 ) فهمه للقيادة :

إن القيادة عند خالد الحسن ليست امتيازا ً بل مسؤولية أمام الجماهير ، ولا مجال لمحاباتها في ذاكرة الأمة أو ذاكرة التاريخ (( لأن شرعية القيادة تتجسد في قدرتها على اتخاذ القرارات اللازمة مضمونا ً وتوقيتا ً، أما شرعية طاعة القيادة فتنبثق من استمرار قدرتها على اتخاذ قراراتها بصوابية في إطار الالتزام بالمرجعية التشريعية والتنظيمية ..))(27) .

 

أي أن القيادة(( قرار التعامل مع الواقع نضاليا ً في صنع الحدث أو مواجهة الحدث الذي يصنعه الخصم ))(28) ، والقيادة عند خالد الحسن هي وكالة وتلاحم مع الجماهير من أجل تحقيق أهدافها في قضاياها المصيرية لذلك (( عندما تتقطع صلة القيادة مع الجماهير  تنقطع الصلة فورا ً مع القضية القومية وستتحول الجماهير ولو مؤقتا ً عن القضية إلى الذات ، فتصبح الغرائز مستيقظة ، وعندما تستيقظ الغرائز يصبح الاستهلاك هو محور التفكير… وهذا الفرق الأساسي بين المجتمعات ذات القضايا والمجتمعات التي لاتملك قضايا .

 

الأول : يقوده عقله في سبيل القضية

الثاني : تقوده غرائزه من أجل الاستهلاك والمتعة ))(29) ، كما حدث في مصر قبل وبعد كامب ديفيد ، لذلك يقول(( من لا يفهم دروس التاريخ لايمكن أن يحدد حركته في اتجاه المستقبل ))(30) .

 

4 ) فهمه للصراع والصراع الدولي :

في الصراع الدولي، من يحمل قضيته ضمن ملفات العدالة وحقوق الإنسان، كالمحامي الذي يعرض عدالة قضية موكله متوهما ًأنه أمام قاضي يمسك بميزان العدالة والحق، يدفعه قوة الحق إلى اتخاذ قرار عادل… من يفعل ذلك …. يكون إنسان حالم، في عالم يسود فيه حق القوة على قوة الحق، القوة التي تحركها المصالح ومناطق النفوذ والخيرات في العالم، ولان الصراع  هو صراع ارادات فالمتقدم هو الذي يملك كل أشكال القوة المؤثرة / عسكرية – اقتصادية – إعلامية .. / ليجعل بإرادته حالة مادية على الأرض في مواجهة الخصم .

 

وفي العالم حركتان للصراع :

حركة الكبار ، وهي تتحرك وتتغير حسب تغير مصالحها وموازين القوى ، والسلام العالمي لايعني إلا أمن مصالحها في العالم.

 

حركة الصغار، وغالبا ً ما تكون حركة بالوكالة لحركة الكبار ، ليستثمر الذاتي بالإقليمي وبالدولي حسب حركة مصالح الكبار ( إسرائيل وأمريكا – بعض الدول العربية والاتحاد السوفيتي – في الماضي – ) ومن لديه ثقافة قانونية يدرك الفرق بين الوكيل الأصيل بالنسبة لإسرائيل نحو أمريكا والوكيل غير الأصيل بالنسبة للدول العربية مع الاتحاد السوفيتي .

 

وفي صراع الارادات ، من يحسن إدارة الصراع باستثمار الدولي والإقليمي يتقدم على المستوى الذاتي وبالتالي الإقليمي … ويدخل في حساب الكبار.

 

ولكن كيف تتغير المصالح ؟

بالقوة … (( القوة تختلف باختلاف وسائل استعمالها، منها العسكرية أو القوة الاقتصادية سواء استعملت القوة العسكرية أو الاقتصادية أو قوة الرأي العام عندك أو عند خصمك …. إذا ترتب في النهاية خسارة للمصالح يحدث التغير… إذا لم تترتب خسائر في المصالح لن يحدث التغير .. هذا هو قانون التعامل الدولي وقوانين الصراع الدولي منذ أن عرف التاريخ حتى الآن / فقط باستثناء الفترة الإسلامية حيث المصالح لم تكن هي الأساس بل العقيدة هي الأساس، وبالتالي الخصم لا يتنازل إلا إذا بدأ يخسر ))(31) .

 

5 ) فهمه للدولة الفلسطينية ضمن سياسة المراحل :

قال على منبر المجلس الوطني الفلسطيني في دورة نيسان 1972م التي انعقدت في مبنى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة، وأكد ذلك في قراءة تحليلية وبمنطق نقدي قاسي ، محللاً للأوضاع العربية الذاتية ، والعربية، والإقليمية، والدولية ،  قائدا الحضور إلى نتيجة مفادها اقتراب التسوية السياسية وحدوث تغيرات في مواقف القوى الدولية ولابد من التعاون معها ، مدعما حديثه بالأرقام والأحداث والتحليل المنطقي، وفي عام 1974م( تأكدت صحة تحاليل خالد الحسن من المناخ السياسي الدولي والإقليمي الذي تلت حرب تشرين عام1973 م ) والصورة التي شرحها هي كما يلي :

 

(( موازين القوى العالمية والظروف الدولية السياسية والاجتماعية لن تسمح بزوال الصهيونية بالحرب في هذه الحقبة الزمنية ولذلك لابد للصراع إلا أن يقوم على سياسة المراحل ))(32) .

 

خصوصية القضية الفلسطينية وهي(( خصوصية دولية غير موجودة في قضية أخرى فالمشكلة أساساً دولية والحل فيها لا يمكن الآن أن يكون دوليا حتى لو كان هنالك الخيار العسكري … فالخيار العسكري العربي لا يمكن أن يتحقق سلاحه إلا من خلال تحالفات دولية معينة وهي غير موجودة على الأرض ))(33) .

 

طبيعة المصالح الأمريكية في المناطق العربية وموقع إسرائيل منها (( فالكيان الصهيوني بوصفه مشروعاً استعماريا ً َيدخل الصراع الإسرائيلي العربي والصراع الفلسطيني الصهيوني في مصيدة الصراع الدولي وتصبح أمريكا بسياستها خصما ً أساسيا للأمة العربية كلها ))(34)

 

(( حالة الدول العربية التي تفتقد حتى إلى الحد الأدنى من التضامن والإرادة السياسية الموحدة وعدم ربط السياسة بالاقتصاد لتؤثر على المصالح الأمريكية والغربية لصالح المصالح العربية القومية ))(35) – وهذا ما كان يطالب به الحسن في كل لقاءاته العربية – .

 

(( فقدان القرار العربي ))(36) – وهذا ما ثبت مستقبلا  بشكل فاضح في مؤتمر القمة العربية في فاس الذي عبر عن العجز العربي في الرفض أو القبول وكان مؤتمر اللاقرار (37) .

 

وفي هذا السياق قال (( عندما يمتلك العرب حرية وإرادة القبول والرفض لكل ما يتعلق بمصالحهم يكونو قد امتلكوا قدرة التأثير على المصالح الأمريكية ))(38) .

 

كما تحدث  عن  برود في التعاطي العربي مع الثورة الفلسطينية والتي عبر عنها  بقروب الصقيع الثوري الذي يجب الاستعداد له .

 

هذه المعطيات تعني انه لايمكن التعامل مع الاستراتيجية المباشرة التي تتعامل مع الهدف مباشرة ولا تقف حتى تحقق أهدافها  .

 

ما البديل ؟ ؟

البديل عند خالد الحسن هو اعتماد الاستراتيجية الغير مباشرة، وهي تقسيم النضال إلى مراحل بشكل سلسلة تتجه نحو الهدف ، أي أن (( الشعار المرحلي يجب أن يخضع لشرط أساسي هو أن تبقى هذه الشعارات وأهدافها المرحلية أجزاء ً متكاملة ً متلاحقة ً باتجاه الهدف الأساسي الذي هو تحرير فلسطين ))(39) مميزاً بين الحركة السياسية وبين البحث عن تسوية سياسية وهو تمييز بين عقليتين مختلفتين تماما ً، (( الأولى تمارس الحركة السياسية بهدف إبقاء حيوية القضية وحيوية النضال من أجل الأهداف، الثانية تعني التعب والبحث عن المضامين التي ترضي العدو ليوافق على تسوية سياسية، الأولى تنطلق من رفض الواقع والعمل على تغيره ،الثانية تنطلق من الاستسلام للواقع ، والبحث عن صيغة لحفظ ماء الوجه ، الأولى تمارس تكتيكا ً في إطار استراتيجيتها لتحقيق أهدافها الوطنية القومية ، الثانية  تمارس تكتكة تحاول إرضاء العدو فتنفصل عن الاستراتيجية حكما ً لأنها تقع في مصيدة استراتيجية العدو ))(40) .

 

لذلك يلخص خالد الحسن مفهومه للدولة الفلسطينية في سياسة المراحل التي أعلنها داخل الغرف وخارجها ، أمام الجماهير وعلى منبر المحافل الدولية بالتالي : (( إنني انتمي إلى شعب وإلى أمة تؤمن بأن من يتنازل عن نصف وطنه لا يحق له أن يبقى في النصف الباقي ، وأننا عندما ننادي ونطرح هدفنا المرحلي لدولة فلسطينية على أي جزء يتحرر من التراب الوطني الفلسطيني فإننا محكومون بان يكون في تحقيق هذا الهدف ، تحقيق مرحلة على طريق الوصول إلى كل فلسطين ، وهذا يعني أن فكرة الدولة الفلسطينية على أي جزء يتحرر من التراب الفلسطيني إن تحولت إلى هدف بحد ذاتها فهي انحراف قد يصل إلى الخيانة، وإن كانت وسيلة فهي منهجية نضالية ))(41) .

 

هذا هو فهم خالد الحسن لسياسة المراحل،  الدولة الفلسطينية وسيلة في الممارسة النضالية باتجاه الاستراتيجية العليا لمصالح الجماهير القومية ،(( فالزمن فراغ تملؤه الأفعال والأحداث بوقائع تنتج واقعا نعيشه ، وهنا يكون الصراع بيننا وبين العدو الصهيوني محاولة ًدائبة ً من كل طرف من الطرفين لملء الزمن بواقع يتفق مع أهدافه وحركته باتجاه المستقبل ))( 42) .

 

وقد فوجئ كل خصومه السياسيين إن كانوا أفرادا ً أو أحزابا ً من موقفه من اتفاق إعلان المبادئ ( اتفاق أسلو) ، مكتشفين لكن متأخرين عشرين عاما ً صحة مواقفه وتحليلاته وأن مرونته في التكتيك لا تخفي وراءها إلا صلابة للمبادئ ، وقد عبر عن هذا الاتفاق (( انه رغم غموضه وسيئاته هو بحد ذاته اتفاق مرحلي ، تحتاج كل جملة فيه إلى مفاوضات واتفاقيات لا نشهد إلا بدايتها إن قدر لها فعلا ً الاستمرار ))(43) ، وفي مقابلة صحفية  قال (( لو امتد بي العمر فسأشكل حزبا ًَأطلق عليه حزب العودة ، لان عودة اللاجئين هي أساس قضية فلسطين ))(44).

 

6 ) هل كان خالد الحسن يمثل الاعتدال ؟

يقول توفيق أبو بكر الذي كان مسؤولا ً للعلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في مقالة له في الشرق الأوسط اللندنية عنوانها (هكذا عرفته) (( هاتفني السفير السوفيتي الذي قابل أبا السعيد مع بريماكوف في الكويت ليقول لي بعد المقابلة ، إن صاحبك يتحدث عن حيفا وضرورة عودته إليها ، كيف يستقيم ذلك مع كونه معتدلا ً ورجل سلام ))(45) .

 

معتدلا ً ورجل سلام ، هكذا قدم توفيق أبو بكر(ذو الصلات الجيدة مع الاتحاد السوفيتي) خالد الحسن للسفير السوفيتي وبريماكوف عند ترتيب اللقاء ، وما كان لتوفيق أبو بكر أن يقدم أبا السعيد بأنه رجل معتدل ورجل سلام لولا جهله بموقف خالد الحسن من التسميات المتداولة على الساحة العربية والفلسطينية / يميني – يساري ، معتدل – متطرف ، تقدمي – رجعي …….) وغيرها من التسميات وفهمه لمضمون المعتدل والمتطرف ، ومسار الحركة السياسية الفلسطينية بتحصيل الممكن باتجاه الاستراتيجية العليا .

 

إن رأي خالد الحسن بالتسميات هو أنها سربت إلى العرب عبر الصحافة والمأجورين لتقسيم العرب وتجزئة سياساتهم ليصبح ضربهم ممكنا ً، والموقف عنده أن يكون مصيبا ً أو مخطئا ً لذلك كان يكره وصف الاعتدال كما هي متداولة بشدة ((وكان يسأل مستنكرا ً، هل يسمى الموقف الصحيح معتدلا ً، وهل يسمى الموقف الخاطئ ثوريا ً… إن الموقف الصحيح هو الموقف الواقعي ولأنه صحيح وواقعي فهو ليس موقفا ًمعتدلا ً))(46) ، وكان يداعب اليساريين بقوله : ((ألم تقرأوا قول ماركس الحقيقة دائما ً ثورية ))(47) ، وفي إحدى المؤتمرات الدولية في أوروبا قدمَ  منظمو المؤتمر خالد الحسن لإلقاء محاضرته بأنه رجل الاعتدال ، وهي كلمة محببة في الغرب …. ماذا فعل خالد الحسن ؟

 

بدأ محاضرته ب (( إنني أنتمي إلى شعب وإلى أمة لا تعرف الاعتدال والتطرف في القضايا القومية والوطنية ، وأن استعمال الكلمة في موضع البندقية ليس اعتدالا ً  وإنما خطأ واستعمال البندقية في موضع الكلمة ليس تطرفا ً وإنما خطأ ، واستعمال البندقية في موقعها هو صواب وليس تطرفاً أو اعتدالا ً، واستعمال الكلمة في موقعها هو صواب وليس تطرفا ً أو اعتدالا ً ، والعلاقة بين الكلمة والبندقية علاقة نضالية لا ينفك إحداها عن الأخرى ))(48) ، أي (( استعمال الكلمة حيث ينبغي إعمال السيف ليس اعتدالا ً وإنما غباء ً سياسيا ً إن لم يكن تفريطا ً أو تخاذلا ً، واستعمال البندقية حيث ينبغي استخدام الكلمة ليس تطرفا ً وإنما من الغباء والحمق السياسي))(49).

 

كان من أمنيات خالد الحسن أن يتعلم السياسيون والمثقفون العرب أدب الحوار وأدب الاختلاف، ومن مقولاته:

الاختلاف في الرأي لايعني الخلاف .

موافقة الرأي لايعني التبعية ، وأن اختلاف الرأي لايعني القطيعة .

في لقاح الأفكار تولد الأفكار الجديدة.

 

الحوار يعني الرأي والرأي الآخر، والاحترام لأصحاب الرأيين يضمن استمرار الحوار فلا احتكار للحقيقة أو الصواب بل الكل باحث عن الحقيقة وكل بقدر اجتهاده.

 

ومن الحوار حسن الاستماع

والأمم التي لاحوار فيها أمم تسير بعكس التاريخ والطبيعة الإنسانية

وفي حضرة الموت تتجلى الحقيقة، لأن أمام الموت وحده تسقط الأهواء السياسية ويعود العقل إلى تجرده وموضوعيته، لذلك عندما استقرت روح خالد الحسن عند بارئها بكاه خصومه أكثر من أصدقائه، وخير تعبير عن ذلك ما جاء في نعيه في مجلة الهدف في 16/10/94 والتي يرأس تحريرها أحد أعضاء المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والناطقة باسمها حيث ورد فيها (( طالب بالتشبث بحق العودة ، عودة كل الفلسطينيين إلى أرضهم ، وهكذا أثبت الرجل الذي طالما عرف كمثال للبرغماتية أنه كبير، وأن السياسة لا تعني أبدا ً طعن للمبادئ أو خيانة الأحلام)) .

 

أما وصيته، فكانت حزب العودة والتمسك بالجذور والإنتماء

هذا هو خالد الحسن القائد المفكر، والثائر المنظر، الموزع لحمه ودمه في كل العواصم: دفن والده في حيفا، ودفن شقيقته في دمشق، ودفن والدته في الكويت، وَدفن جزء منه في عمان قبل أن يدفن في الرباط وعيناه شاخصتان إلى فلسطين… إلى ميناء حيفا ،…. آخر ما نظر إليه يوم َهجٌر.