عبرت وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي الجديدة "فيديركا موغيريني" عن موقف واضح وناضج لا لف فيه ولا دوران، تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المستعصي على الحل منذ عقود، فقالت: "نحن (الإتحاد الأوروبي) نريد عملياً دولة فلسطينية والعالم لا يمكن أن يحتمل حرباً رابعة على غزة، ولا يوجد وقت للانتظار فالوسيلة الوحيدة لإنهاء المعاناة، هي وضع حد لهذا الصراع وإقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل". الإتحاد الأوروبي يريد دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، رغم اختلاف دوله على الاعتراف بدولة فلسطين، حيث تعتبر مسألة الاعتراف بالدول من صميم سيادة كل دولة على حدة من دول الإتحاد الأوروبي.
فرنسا على سبيل المثال وعلى لسان وزير خارجيتها "لوران فابيوس" تلف وتدور في موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتفترض وجود مفاوضات غير موجودة بين الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى حل. وهي لا ترى أنه بعد 21 عاما من المفاوضات بعد توقيع اتفاق أوسلو، لم يتم التوصل إلى حل يعطي الفلسطينيين حقوقهم وينهي الاحتلال، وكانت المفاوضات وما زالت بالنسبة لإسرائيل فرصه ووقت إضافي لاستكمال تنفيذ مخططاتها في مصادرة الأراضي الفلسطينية، والتوسع الاستيطاني، وتهويد القدس، وإقامة جدار الفصل العنصري، وصار الحديث عن حل الدولتين حلماً من أحلام اليقظة. وأن أكثر ما يريح نتنياهو هو أن يجلس مع السلطة الفلسطينية على طاولة المفاوضات لكسب مزيد من الوقت الإضافي، وللتعمية على العالم بأنه يريد السلام، لذلك نعتقد أن رهان "فابيوس" الاعتراف بدولة فلسطين بالتفاوض للوصول إلى حل الدولتين مناورة وانحيازا لموقف نتنياهو وحكومته اليمينية، لأن المفاوضات بعد التجربة المريرة للسلطة فيها، لن تؤدي إلى شيء سوى إلى ضياع المزيد من الأراضي الفلسطينية، التى لم يبقَ منها شيء يمكن أن تقام عليه دولة قابلة للحياة، تعيش إلى جانب إسرائيل، وتدرك القيادة الفلسطينية هذه الحقائق ولكنها اتبعت سياسة "لاحق العيار إلى باب الدار" كما يقول المثل الفلسطيني.
وقد فضحت سياسة القيادة الفلسطينية نهج إسرائيل التفاوضي وعرتها أمام العالم، ولم يعد هناك في العالم من يصدق أن المفاوضات مع حكومة نتنياهو قد تؤدي إلى السلام وإلى حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي البغيض.
في ضوء هذه المعطيات يتوجه الرئيس أبو مازن إلى مجلس الأمن الدولي هذا الشهر، من أجل الحصول على قرار يعتبر الأراضي التي احتُلّت عام 1967، هي أراضي الدولة الفلسطينية، وتحديد موعد لإنهاء الاحتلال. إلا أنه وبرغم تعاظم حركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني وخاصة التضامن الشعبي الذي توج باعتراف السويد بدولة فلسطين، فإن قراراً من مجلس الأمن قد لا يصدر بسبب الموقف الأمريكي الأعمى والمنحاز للعدوان والعنصرية الإسرائيلية.
لقد فقدت إسرائيل كثيراً من التعاطف الدولي، خاصة بعد عدوانها الإجرامي الثالث على قطاع غزة وممارساتها الاستيطانية واعتداءاتها على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ومحاولاتها تهويد القدس عاصمة الديانات والحضارات الإنسانية، وانكشافها أمام العالم أنها دولة عدوانية وغير راغبة في السلام.
ولا تدرك حكومة إسرائيل اليمينية التي تستخف بالعالم وبالأمم المتحدة والإدارة الأمريكية، أن الدور الوظيفي لإسرائيل يتضاءل عاماً بعد آخر، ولم تعد قادرة على تقديم خدمات أساسية لأمريكا التي باتت مضطرة للتدخل المباشر بقواتها العسكرية وخبرائها وأمولها في الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمنطقة، وتنذر بتفكك دولها وانسياح شعوبها وتشكلها في جماعات وعصابات لا تخضع لقانون ولا تعترف بشرعية ولا بأمر واقع سوى الذي تستطيع أن تفرضه.
ومع كل هذا التشخيص واهتزاز العلاقة الأمريكية الإسرائيلية فإن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب إسرائيل في مجلس الأمن، وتنقض مشروع القرار الذي ستتقدم به فلسطين إلى مجلس الأمن هذا الشهر إذا تحصلت فلسطين على تأييد 9 إصدارات من إصدارات الدول الأعضاء في المجلس.
ولكن انحطاط الموقف الأمريكي، يجب أن يثني القيادة الفلسطينية عن المحاولة لانتزاع مثل هذا القرار في مجلس الأمن، أو على أضعف تقدير من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وملاحقة إسرائيل على جرائمها التي ارتكبتها ولا زالت ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني في محكمة الجنايات الدولية. نحن شعب صاحب حق ومصمم على نيل حقوقه كاملة، وعلى إسرائيل أن ترحل عن أرض الدولة الفلسطينية، لا أن تفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنين غير الشرعيين في أرض دولتنا الفلسطينية العتيدة، مخالفة الشرعية الدولية والاتجاه الدولي العام، بضرورة الإسراع في إنهاء الاحتلال والاعتراف بدولة فلسطين ووقف الصراع في المنطقة.