الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما لا نخشاه على حماس/ بقلم: شفيق التلولي

2017-10-07 10:10:27 PM
ما لا نخشاه على حماس/ بقلم: شفيق التلولي
شفيق التلولي

 

 بقلم: شفيق التلولي

 

إن صح وتخلت حركة حماس عن مشاركتها في أي حكومة مقبلة، فهي بذلك تبرهن على صدقية توجهها نحو إتمام المصالحة الناجزة وتخليها عن الإستمرار في حكم غزة وصولاً إلى تسليمها الكلي لمقاليد مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وهذا هو النضج السياسي بعينه المبني على قراءة واعية لمجمل المتغيرات الإقليمية التي لا تسير في صالحها وكذلك تأثير طول فترة الانقسام وإحداثياته على مصالح الشعب الفلسطيني وغزة التي أوشكت الإنفجار لا سيما بعد التداعيات الخطيرة لتوجهات السلطة الوطنية الفلسطينية لإنهاء الإنقسام من خلال إتخاذها لسلسلة من الإجراءات الإدارية والمالية الرامية لثني حماس وإجبارها على حل اللجنة الإدارية التي شكلتها مؤخراً -وهذا ما حصل بالفعل- وجاري إعادة غزة للمنظومة الوطنية وتمكين حكومة الوفاق الوطني كشرعية فلسطينية.


بذلك تحذو حماس حذو حزب النهضة التونسي الذي سبقها في التخلي عن الحكم؛ بعدما أدركت أن هناك إرادات إقليمية ذات بعد دولي تهدف إلى إعادة صياغة وترتيب أوراق المنطقة العربية التي تتقلب على صفيح ما سمي بالربيع العربي الساخن بعدما انتهى دور توظيفه، وهذا يفرض على بعض القوى الإقليمية وتحديداً العربية التماهي مع السياسة الأمريكية الجديدة وإعادة جدولة أجندتها بما فيها الورقة الفلسطينية وخاصة غزة (المشكلة والحل) كعمق استراتيجي للدولة الفلسطينية المفترضة؛ لتترجم حماس بذلك ما نتج عن انتخاباتها الأخيرة واطلاق وثيقتها السياسية الجديدة التي سعت من خلال بنودها إلى توطينها ونقل قرارها إلى الداخل حسبما ترتأيه مصلحتها بعيداً عن منظومة حركة الإخوان المسلمين مما أخرجها من عنق الزجاجة وأبعدها عن دائرة استهداف المنظمات الإرهابية الذي نادت به الإدارة الأمريكية الجديدة وحلفائها.


إن السياسة التي تتبعها حماس بعقلية جديدة قادرة على هضم ما تناولته في الآونة الأخيرة من وجبات دسمة يعد أمراً محمودا، لكننا نخشى من تداعي ذلك عليها كحركة -عُرفت بتماسكها- وارتداد تداعيات تلك التوجهات إلى داخلها بما لا يحمد عقباه إذا ما جرى لا سمح الله أي تصدع في بنائها التنظيمي وإذا ما كان هناك رفض لهذه السياسة الجديدة من قبل بعض رموزها بعدما تناهى همهمات في أوساطها تشي بذلك؛ حيث إنها قد تكون مقبلة على تحولات كبيرة في رؤاها ومواقفها السياسية ربما يجعلها تتنازل عن ثوابت طالما نادت بها وذلك وفقاً لما تقتضيه المصلحة الوطنية وما يمكنها من المحافظة على كيانها الإعتباري في النظام الكلي الفلسطيني وإبقاء حضورها التمثيلي في مؤسسات هذا النظام وبخاصة المجلسين الوطني حال انخراطها في منظمة التحرير الفلسطينية والتشريعي حال جرت إنتخابات السلطة الفلسطينية.

صحيح بأن حركة حماس تنظيم أقرب ما يكون إلى الحزب المغلق لكن انفتاحها من الخاص على العام بفعل ولوجها للسلطة سمح بكسر هذا الطوق وانجلاء هالتها القدسية وانكشافها وهذا أمر طبيعي في منطق تحول أي حركة أو حزب من موقع المسئولية الحركية والحزبية إلى موقع المسئولية الوطنية وهذا ما تثبته حركة التاريخ وسيرورته، ولا أدل على ذلك من حركة فتح التي عاشت ذات التجربة مع فارق الزمان والمكان والظروف المحيطة وتباين الأداء واختلاف القدرات وكيفية التعاطي مع المتغيرات، غير أنها عندما أردات التحول في مواقفها السياسية وانتقلت من الفعل الثوري الرافض لكل مشاريع التسوية إلى مربع المفاوضات التي أنتجت اتفاقيات سلام مع حكومات تل أبيب المتعاقبة -لسنا بصدد الحكم عليها الآن- كانت تدرك بأن ثمن ذلك قد يكون كبيراً على مستواها كحركة وكونها جزء من منظومة العمل الوطني الفلسطيني، لكنها أرادت وفعلت حتى لا يفوتها ويفوت الشعب الفلسطيني آخر عربة في القطار الذي تشعبت طرقه وتبدلت محطاته.


ما نتمناه ألا يحدث لحماس ما حدث لغيرها من حركات وأحزاب لأنه سيرتد بالسلب على الكل الفلسطيني وخصوصاً على غزة التي تتنفس الصعداء بعدما استقبلت حكومة الوفاق الوطني مؤخراً على أثر المبادرات الطيبة والمتبادلة بين فتح والسلطة الفلسطينية من جهة وبين حماس من جهة أخرى وبرعاية مصرية فائقة، وربما يحدث أو لا يحدث ما ذكرناه عالياً وما لا نتمناه مرة أخرى، لكن لأن السياسة علمتنا بأن تحليل أبعادها لا يخضع للتمني إنما للوقائع التي لا تشير إلى فرضية حدوث خلاف داخل أروقة حماس حتى اللحظة مع بقاء كل الإحتمالات فرضيات قائمة، ما يدفع حماس بكل مكوناتها والتي التقطت اللحظة ولم تضع فرصة المصالحة التاريخية أن تربط أحزمة أمانها وأن تتعاضد من أجل تتويج هذا العرس الوطني الفلسطيني (عرس الوحدة الوطنية) باتفاق شامل ومتكامل ولتدعم فتح ذلك وأظنهما ستفعلان ما يحفظهما ويحفظ الشعب الفلسطيني ويبدد هذه الغيمة السوداء من سماء غزة بغض النظر عما يترتب على ذلك من نتائج على كل من الحركتين، والكرة الآن في ملعب الجميع، فلا غالب ولا مغلوب.

"وكفى الله المؤمنين القتال"