أخي وصديقي د.صبري صيدم المحترم:
قبل حوالي العام أرسلت لك تسجيلاً لحفل حصل في إحدى مدارس محافظة رام الله والبيرة حول تكريم الطالبات اللواتي تحجبن مؤخراً، ولم أسمع في حينه أيَّ موقف لكم أو للوزارة، وكنت ولا أزال أرى أنَّ ذلك منافٍ لمبادئ التربية الوطنية الفلسطينية، وتحريف لنهج الوزارة المتمثل بحرية العقيدة والفكر، بما لا يتناقض مع المبادئ الوطنية الفلسطينية، واليوم، للأسف، تكرر ذلك في إحدى مدارس نابلس، ولا أعلم إذا كان هذا سلوكًا عامًّا في مدارس أخرى في الوطن.
لن أخوض في جدال رمزية الحجاب أو غيره من علامات الانتماء الديني، وأرى في ذلك حرية فردية، لها علاقة بحرية العقيدة واللباس وغيره، ولكنني هنا أعتقد أنَّ المشكلة أكبر بكثير من لباس أو غطاء الرأس أو أيِّ رموز دينية أخرى، لأنَّ المشكلة هي في صلب التربية، إن كانْ ذلك في المناهج أو دور العبادة أو مواقع مجتمعية أخرى.
إنَّ المناهج التربوية، التي تحاولون مشكورين تطويرها، بحاجة إلى جرأة أوضح، مناهج تُخفف من التلقين والحفظ وتقترب أكثر من البحث والتفكير، وهنا لا بد من الحديث حول تدريس مادة الدين في المنهاج.
إنَّ الانتماء والتدريس الديني لا يجوز أن يتمَّ على حساب البحث والتفكير؛ لأنَّ مادة الدين عامة، هي مادة تحتاج إلى الحفظ فقط، وهذا يجب أن يتم خارج وقت الدوام المدرسي في دور العبادة، أو أيّ من المؤسسات الدينية الأخرى.
إنَّ الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في الحضارة، ولها مكانة مهمة في الإنتاج العالمي، لم تعد تدرِّس الدين في منهاجها، ومنها من تحكمها أحزاب إسلامية مثل تركيا.
إنَّ المقياس الأساسي لتطور المجتمعات، هو أولاً زرع مبدأ المواطنة والانتماء، وهذا يأتي بالدرجة الأولى من خلال تعليم الطلبة تاريخ تكوّن الشخصية والهوية الفلسطينية منذ فجر التاريخ، وليس التاريخ الحديث.
ولتكون الصورة صريحة وحقيقية؛ على طلبتنا أن يدرسوا المكونات الثلاثة للشخصية الفلسطينية، أي الحضارة الكنعانية والمسيحية والإسلامية، وأيُّ انتقاص من أحد هذه المكونات هو تشويه للصورة الصحيحة للهوية الفلسطينية، فلا يجوز أبداً لطلبتنا أن يكونوا جاهلين بمكون أو مكونين لهويتهم، وإلا ستصبح الهوية دينية، وهذا شيء غير صحيح وخطير.
إنَّ المعرفة بالمصادر الثلاثة المكونة للهوية الفلسطينية تتطلب معرفة التاريخ واللغة (أي اللغة الآرامية) والجغرافيا (أي أسماء المدن الكنعانية)، والتي سُرقت، وأصبحنا نتعامل مع هذه الرموز، وكأنها للشعب اليهودي.
إنَّ الشعب الفلسطيني لم يأتِ إلى فلسطين قبل ألف وخمسمئة سنة أو قبل ستمئة سنة، ورغم موجات الهجرة التي حصلت خاصة من الجزيرة العربية وما حولها، إلا أنَّ المكون الأساسي والأول لهذا الشعب موجود هنا في فلسطين قبل ظهور الديانات كلِّها.
وأخيراً، فإنني أتوجه لك يا معالي الوزير لأن تبادر بأخذ إجراءات تنسجم مع مبادئ الثورة الفلسطينية المعاصرة في بناء مجتمع فلسطيني علماني حضاري، بعيداً عن التمسك بما ثبت أنَّه لم ولن يساهم في تطور المجتمع.
إنَّ احترام الدين واجب، كما أنَّ احترام كلِّ الأفكار التي لا تتعدى على الآخر واجب.
إنَّ المبدأ الرئيسي للتربية الصحيحة هو تعلُّم احترام الآخر وسماع رأيه، وخاصة إذا كان من مكوناته الوطنية نفسها، ويعيش معه على الأرض نفسها.
إنَّ المطلوب أولاً، يا معالي الوزير، منع ظاهرة تكريم المحجبات حديثاً، وكأن غير المحجبة لا تستحق التكريم، خاصة أنَّ الأيام الماضية أثبتت أنَّه ليس للمظاهر الدينية أيُّ علاقة بالأخلاق أو المواطنة الصالحة.
كما أنَّه من المهم تشكيل لجنة وطنية من مختلف مكونات شعبنا لبحث الموضوع المذكور أعلاه؛ لكي نساهم ببناء أجيال أفضل منا بعيداً عن التعصب والفئوية وعدم احترام الآخر، لتساهم أجيالنا اللاحقة في بناء مجتمع حضاري، ولهُ مكانة تحت الشمس.