إذن ثبت انتصار آخر من انتصارات شهر أكتوبر شهر الانتصارات المجيدة للشقيقة الكبرى مصر، حيث وصل قطار المصالحة الفلسطينية إلى القاهرة التي أطلقت صافرة الوحدة الوطنية الفلسطينية؛ ليعلو صوت فلسطين الواحدة والموحدة مجلجلاً معلناً طي صفحة حقبة الانقسام الأسود من صفحات تاريخنا الناصع البياض، التاريخ الذي كُتبت حروفه بدماء شهدائنا الأبرار وآهات جرحانا الميامين وآنات أسرانا البواسل، الصفحة السوداء التي يجب أن نمحوها من ذاكرتنا الجمعية.
وهذا لا يصار إلا بحماية وصيانة الاتفاق الذي دشنته اليوم حركتي فتح وحماس بعدما تسلحتا بروح وطنية عالية انطلاقاً من ايمانهما بأنه لا صوت يعلو فوق صوت الوطن، صوت فلسطين، صوت الوحدة الوطنية الذي صدح من قاهرة المعز من مصر الكبيرة مصر التي سيحفظ لها التاريخ دورها الريادي والمتقدم في دعم القضية الفلسطينية كشريك فاعل منذ بواكير النضال الوطني الفلسطيني واحتضانها لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وقواعد الثورة الفلسطينية التي ما زال صدى صوت إذاعاتها يتردد في آذاننا جيل بعد جيل.
وما زالت مصر حتى هذه اللحظة تقوم بدورها إتجاه فلسطين على أكمل وجه، وها هي اليوم تمضي بثبات نحو تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية التي رعتها وبجدارة وكفاءة عالية وعناية فائقة حتى استوت سفينة المصالحة الفلسطينية ورست في ميناء الوطن وتجاوزت طوفان الانقسام الذي كاد أن يغرق الشعب الفلسطيني ويجهز على قضيته ومشروعه الوطني.
كما وسيسجل التاريخ لحركتي فتح وحماس التقاط لحظة العافية التي تجسدت من خلال تحليهما بروح المسؤوليات والإرادات العاليات؛ فانتصرتا بالوحدة للوطن واضطلعتا بمسئوليتهما التاريخي وأصرتا على إنجاز مشروع المصالحة الذي انطلق قطاره مطلع أكتوبر الحالي ليحط بحكومة الوفاق الوطني في غزة إيذانا بتمكينها؛ ليتوج اليوم بتوقيع أتفاق زمني مجدول في القاهرة يضمن للحكومة استلام مهامها على أكمل وجه وذلك برعاية مصرية.
وحتى نصون ونحمي هذا الاتفاق إلى جانب مصر التي سترعى وتراقب تنفيذه، فإنه مطلوب منا جميعاً تشكيل حاضنة شعبية؛ لصونه وحمايته والوقوف إلى جانب الحركتين؛ لتصليب دورهما في تثبيت ما توصلتا إليه وهذا الدور مُلقى على كاهل الكل الفلسطيني وفي مقدمته الفصائل الفلسطينية التي ستجتمع لاحقاً في القاهرة لاستكمال ما يترتب على هذا الاتفاق من تشكيل حكومة وحدة وطنية أو رفد الحكومة الحالية حكومة الوفاق الوطني بما يكفل ويضمن استمرار تمكينها وصولاً إلى عقد المجلس الوطني وإعادة صياغة وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة كل الفصائل الفلسطينية بمن فيها حركة حماس والجهاد الإسلامي وكذلك إجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية.
كما وأنه من الضروري تشكيل جبهة وطنية عريضة يشارك فيها كل القطاعات والفعاليات الشعبية من مختلف الأطر والمؤسسات الوطنية والمجتمعية مهمتها تعميم وتعميق الخطاب الإعلامي والثقافي وصياغته بمفردات وحدوية وطنية من خلال حث وتوجيه كل المنابر الإعلامية لبث مشترك بين الفينة والأخرى، وتصويب وسائل التواصل الاجتماعي، ودفع المؤسسات المجتمعية والثقافية والتعليمية إلى ضرورة تمكين الخطاب الوطني الهادف وتعميمه؛ ليصبح خطاباً شعبياً متاولاً، وهذا يتطلب إصدار النشرات الموجهة وعقد الندوات وورش العمل واللقاءات الوطنية والشعبية في المؤسسات والمدارس والجامعات وإشراك الأسرة في تعزيز ثقافة الوحدة ولفظ ثقافة الانقسام البغيض من خلال شطب كل مفرداته الفئوية البائسة والتهيئة لمصالحة مجتمعية شاملة.
نحن الآن على أبواب مرحلة جديدة يؤسس لها هذا الإتفاق التاريخي، ألا وهي مرحلة إنجاز المشروع الوطني والمتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مما يستدعي رص الصفوف والوقوف جميعاً خلف قيادة شعبنا الفلسطيني؛ لبلوغ هذه الغاية النبيلة، لا نريد أن نعود إلى الوراء إنما نريد أن ندفع بعجلة الوطن إلى الأمام.
علينا أن نقرأ المتغيرات السياسية من حولنا ونصوغ برنامجنا السياسي وفقاً لما ترتأيه مصلحة شعبنا الفلسطيني، وبما يتواءم مع التطور الإقليمي والدولي؛ إذ لا يمكن فرض خطابنا السياسي وتغيير موازين المعادلة الدولية ولا نصبح فاعلين في صنع توجهات السياسة العالمية إتجاه قضيتنا ورؤيتها لحلها دونما امتلاكنا برنامجاً وحدوياً توافقياً يقوم على أساس القراءة الواعية للسياسة الخارجية وإدارة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من خلال رؤى استراتيجية جديدة.
لا نريد أن نخذل شعبنا مرة أخرى ولا نريد أن يصاب بخيبة جديدة فلم يعد يحتمل المزيد من الألم والعذاب بعدما ضاق ذرعاً تحت نير ظلام الانقسام؛ فلنكن على قدر المسئوليات الجسام التي تنتظرنا ولنحفظ أجيالنا من الضياع ولنُبقي على جذوة فرحة شعبنا متقدة احتفاء بهذا العيد الوطني، عيد انهاء الانقسام الظالم والجائر وإعلاء شأن المصالحة الفلسطينية الفلسطينية وتمكين مشروع وحدتنا الوطنية الناجزة.