حاز مصطلح "صفقة القرن" على نقاشات متعدّدة مع تولّي ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية في كانون الثاني/ يناير الماضي، وتعالت التخوّفات بشأن تصفية قضية فلسطين بتطبيع بعض الدول العربية الخليجية مع إسرائيل، ربما نجح الاحتلال في فتح ثغرات في جدار العلاقة مع بعض الدول الخليجية، إلاّ أن ذلك لا يعني بأننا أمام صفقة قرن كما يتم تضخيمها من قِبل الولايات المتحدة الأميركية.
الإدارات الأميركية المتعاقبة تعمل على تقديم حلول أو بذل مساعٍ في العملية السلمية، تهدف من خلالها إلى الاحتفاظ بملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وإدراكها بأن تحريك عملية السلام يساهم في تخفيف الاحتقان في منطقة الشرق الأوسط ويساعد إسرائيل على ضبط الأوضاع الأمنية، ومع تولّي إدارة ترامب قيادة الولايات المتحدة، تعدّدت الأطروحات والأحاديث عن حمل الإدارة الجديدة رؤية للسلام، وُصفت من قِبل الرئيس الأميركي بالصفقة، ووصفها الرئيس المصري بقضية القرن.
تنطلق السياسة الأميركية العامة والدائمة تجاه قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي من ثلاثة محدّدات، وهي: ضمان الأمن لإسرائيل، ضمان التفوّق العسكري لإسرائيل على دول المنطقة، رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين.
لا يبدو بأن ترامب سيخرج عن المحدّدات، بل سيكون أكثر انحيازاً لدولة الاحتلال، ويظهر ذلك من خلال صداقته القديمة مع نتنياهو، وتشكيلة الطاقم المعاون التي يتمتّع معظمها بعلاقات وثيقة الصلة بإسرائيل، واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، كما تدرك الإدارات الأميركية المتعاقبة أنها المتحكّم الوحيد في إدارة ملف التسوية، من دون أية منازعة من أي طرف آخر، لذلك فهي ليست على عجلة من أمرها لحسم هذا الملف.
الإدارة الأميركية الحالية تعمل وفقاً لمبدأ الترحيب بأيّ تقدّم يحرزه الطرفان في ما بينهما، أو برعاية المندوب الأميركي، وحتى لم تقدّم إدارة ترامب أيّ تصوّر عملي وحقيقي لإنجاز عملية السلام في المنطقة، إنما تحمل أفكاراً عامة.
أما على الصعيد الإسرائيلي فمنذ اللحظات الأولى لفوز ترامب اعتبرت إسرائيل _ اليمين خصوصاً _ أن صديقاً صدوقاً لها دخل البيت الأبيض، وقد تحدّث عدد من قيادات اليمين عن رغبتهم في إحداث تغييرات استراتيجية في مصير الضفة الغربية استغلالاً لدخول ترامب البيت الأبيض.
وقد انعكس هذا الارتياح في القرارات المتتابعة ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية، كما ظهر بجلاء في قرار بناء مستوطنة جديدة في تلة جيئولات تسيون، وذلك لأول مرة منذ 20 عاماً (ثمة بؤر استيطانية بُنيت لكنها كانت بفعل مجالس الاستيطان وبدعم من الحكومة وليس بقرار منها).
ما تسعى إسرائيل إليه هو جعل الولايات المتحدة تتبنّى خطتها للسلامين: الاقتصادي والإقليمي، بحيث تستطيع التطبيع مع الدول العربية من دون إعطاء الفلسطينيين دولة في أراضي عام 1967، كما ستسعى لبلورة اتفاق مع الولايات المتحدة بخصوص الكتل الاستيطانية، وهو ما يعني السماح باستمرار البناء الاستيطاني في حوالى 10% من مساحة الضفة الغربية، وبالإضافة إلى ذلك شرعنة تواجدها في الجولان، وجعل مصالحها الأمنية في صلب الاستراتيجية الجديدة التي تدرس الإدارة الأميركية تبنّيها في التعامل مع توسّع إيران وحلفائها في المنطقة.
قد يكون النظام المصري هو الأكثر اهتماماً بحل قضية فلسطين ، لإعادة تعاظم دوره على المستوى العربي. ومن هنا تأتي مساعيه إلى إتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، بما يحقّق وحدة للموقف الفلسطيني، ونقطة قوة في أيّ تحريك لعملية التسوية، إلا أنه لا يمتلك أوراق قوة حقيقية تجبر إسرائيل على تقديم خطوات نحو الوصول إلى سلام شامل حسب الرؤية المصرية.
أما الأردن فما يعنيه في الحل النهائي لهذا الملف ألاّ تتوافد إليه أعداد إضافية من اللاجئين كي لا يؤثر على استقراره العسكري والسياسي والاقتصادي والسكاني الهش، كما أن الدولة الأردنية لا ترغب أن تكون لها حدود مشتركة مع الفلسطينيين وتفضّل أن تبقى حدودها مع الكيان الإسرائيلي.
باعتقادي لا يوجد ما يُسمّى بـ"صفقة القرن"، لكن ربما يتمركز الحديث عن تعزيز الاصطفاف في المنطقة عبر سعي البعض إلى استبدال العدو الإسرائيلي بإيران وحلفائها، فكيف يمكن تمرير أية عملية تسوية وإسرائيل تعاني من جبهات متعدّدة على الحدود الشمالية والجنوبية.
فتحظى التطوّرات المتلاحقة في الجبهة الشمالية مع حزب الله باهتمام إسرائيلي ، في ظل تعزيز التعاون والتواجد العسكري لإيران في سوريا، وتعزيز قدرات حزب الله العسكرية من خلال بناء مصانع سلاح متقدّمة، وتعزيز العلاقة بين محور المقاومة إيران وحزب الله وحماس، ما يؤثّر على ميزان القوى، فهذه المخاوف تتصدّر الأولوية الإسرائيلية، ولن تولي إسرائيل أهمية لعملية السلام؛ فهي تدرك بأن الدول العربية التي ترغب في تطبيع العلاقات لا تمثل فسلطين أولوية لديها أو عائقاً أمام خطواتها تجاهها.
من المستبعد أن تقفز عملية السلام بخطوات سريعة إلى الأمام في ظل الانشغال الأميركي والتعنّت الإسرائيلي الكبير، المستند إلى وجود حليف حميم له في البيت الأبيض لن يمارس عليه أيّ نوع من الضغط، ربما المياه الراكدة ستتحرّك، وبتقديري أن أبو مازن أمام ضغط الإدارة الأميركية قد يقبل بالعودة للمفاوضات من دون الشروط السابقة، تماشياً مع رغبة الإدارة في تحريك الملف.
نقلا عن: الميادين