ترجمة الحدث - أحمد بعلوشة
نشرت صحيفة جيروسالم بوست مقالا تحليليا تحت عنوان "أمن حماس بلحى وفتح بدون: لماذا لن تحدث وحدة فلسطينية حقيقية؟".
وفيما يلي نص المقال:
الصراع بين فتح وحماس يتلخص في اللحى، وينتقل إلى المثل الدينية والوطنية وغيرها. فقط المواجهة الحاسمة يمكنها تقرير وظيفة كل من فتح وحماس، مع انتصار لجانب واحد فقط، وهزيمة للآخر، ومن المشكوك فيه أن تتمكن فتح من حشد القوة اللازمة للحصول على قوة حقيقية في غزة.
السياسة تأخذ أشكالاً كثيرة. وكثيراً ما يكون الأمر معقداً للغاية ولا يمكن التنبؤ به مهما كانت المسألة السياسية صغيرة وتبدو أنها في متناول اليد.
وفي بعض الأحيان، يكون الوضع السياسي صعباً للغاية بقدر ما يكون سهلاً في ذات الوقت. وفي حين أن حل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية يتسم بالتعقيد، فإن ديناميكية التقسيم الداخلي والانفصال بين السلطة الفلسطينية وحماس في غزة يتميز بالبساطة.
الصراع بين السلطة الفلسطينية وحماس يمكن تمثيله فقط في موضوع اللحى. فقد كان أفراد الأمن في حماس وموظفيها وجيشها في مختلف الأجهزة الأمنية التي تسيطر عليها وزارة الداخلية التابعة لها بما في ذلك قوات الشرطة الزرقاء ملتحون دائماً تقريباً.
من ناحية أخرى، أفراد الأمن في السلطة الفلسطينية، الذين غالباً ما تطلق عليهم حماس اسم قوات دايتون حيث أطلقت عليهم هذا الاسم بعد التدريب الذي أجراه لهم الجنرال الأمريكي دايتون. هؤلاء الأفراد هم بدون لحى.
"دايتون" يستخدم كمصطلح للإهانة، لأنه يوحي بأن هذه القوى تخدم مصالح الولايات المتحدة وبالطبع إسرائيل "وكيل أميركا".
وكما يعلم الشرقيون، فأن تكون ملتحقاً في قوة أمنية ولديك لحية فهذا يعني أن الكيان السياسي الذي تخدمه هو كيان ثيوقراطي "الثيوقراطية هي حكم الدين". أما أن تكون عضواً في قوة أمنية وأنت بلا لحية فهذا يعني أن الدولة التي تخدم بها هي قومية أو علمانية، وبالتأكيد معادية للثيوقراطيين.
القائد الذي ساهم في انتشار هذا المفهوم والقانون السياسي في الشرق الأوسط هو مصطفى كمال أتاتورك، الذي كان ذا توجه علماني.
لقد كان أمراً مرعبا بالنسبة للإسلاميين ما قام به أتاتورك حين ألغى الخلافة قبل قرن من الزمان تقريبا واعتمد دستورا مستوحى من الفرنسيين فصل بدقة بين المسجد والدولة، ويذكر أنه ما من زعيم في الشرق الأوسط كان يجرؤ على فعل الشيء نفسه. وحينها صدرت فكرة أنه لا يمكن لأي رجل أن يلبس زيا ذي علاقة بالأمن أن وهو ملتح.
في مصر، أفراد الأمن بلا لحى، وفي سوريا، الجزائر وتونس. وليس من المستغرب أن تقوم السلطة الفلسطينية وهي دولة قومية طموحة بتطبيق هذه القاعدة بحزم. والحال في الدولة القومية يقول إن أفراد الأمن لا يربون اللحى.
لو قمت بالبحث على جوجل "قوات الأمن في جمهورية إيران الإسلامية" ومن ثم البحث عن نفس المضمون لقوات الأمن خلال عهد الشاه سترى النتائج. باختصار بإمكانك تطبيق هذا المثل مع ما يجري مع حكومة حماس.
ولكن بكل تأكيد، جميع ما سبق ذكره حول هذا الموضوع لا يعني أن قوات الأمن في مصر مثلا أو السلطة الفلسطينية هي قوات معادية للدين.
ولكن هناك فرق كبير، حيث إن اللحى في حماس يتم تلقينهم بضرورة تربيتها من قبل دعاة حماس الذين يسيطرون أساساً على "هيئة الإرشاد الأخلاقي السياسي" وهي ذراع التلقين لدى وزارة الداخلية وقوات الأمن. أما في السلطة الوطنية فهناك مؤسسة القاعدة الوطنية داخل المجمع الأمني التابع للسلطة. وبذلك فإن الأولى تعلم فضائل الشريعة وخدمة الإسلام، أما الأخيرة فتعلم فضائل خدمة الدولة والزعيم والمواطنين.
ما أود قوله هو إن مواجهات السلطة الفلسطينية/ فتح وحماس هي لعبة صفرية، أي أنه وفي خضوع حماس للسلطة الفلسطينية تحت الضغط المصري للسماح لحكومة رامي الحمد الله تولي المعابر مع مصر وإسرائيل، فإن حماس معرضة بالضرورة للخطر. وما فعلته حماس بقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية عام 2007 يمكن أن يحدث في وقت ما من المستقبل!
أضف إلى ذلك التوترات الحادة بين أولئك الذين ينتمون إلى الثيوقراطية وأولئك الذين لن يكونوا جزءً منها، خاصة وأن آفاق الوحدة الحقيقية بين حركتي حماس وفتح لا تكاد تذكر وقد تكون غير موجودة أصلا.
ومن الأمثلة الحديثة على فشل التعايش بين خيالي الفكر، كان واضحاً في مصر مثلاً ما حدث مع الاخوان المسلمين حين شعر الجيش المصري وغيره من شرائح "الدولة العميقة" أنه يجب مواجهة الإخوان المسلمين بأي ثمن، الأمر الذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس محمد مرسي.
كان الاختيار صارخاً، وانتهت القصة بأسلوب صفري أيضاً مع ظهور الرئيس عبد الفتاح السيسي بقوة، والإلقاء بمرسي في السجن. أما في إيران الثورية، كانت النتائج أصعب من ذلك وكانت أكثر دموية، حيث تم إعدام المهزومين.. ولم يتم وضعهم بالسجن فحسب.
القاسم المشترك في هذه الصراعات دوماً، هو أن جانباً واحداً كان منتصراً تماماً، والآخر مهزوم تماماً.
ولا يمكن إلا أن يكون هناك قرار مماثل في غزة بين السلطة الفسلطينية وحكم حماس. ولكن من المشكوك فيه ما إذا كانت السلطة التي تقودها فتح يمكنها أن تحشد القوة لتقديم محاولة حقيقية للحصول على السلطة المطلقة، وما هو غير مرجح أيضاً أن يكون لها القدرة على الفوز حتى في تبادل لإطلاق النار.