كرواية "البؤساء"، تبدو غزة، في الوقت الحالي، فصفحات تلك الرواية العالمية الفرنسيّة الشهيرة، وبؤس ما عاشّته "الكائنات الحبريّة" على الورق، يشبه، مرارة حياة قرابة مليوني فلسطيني، يعيشون واقعا قاسيا في أكبر سجنٍ مفتوح في العالم.
غير أن شابا فلسطينيا، يطل من بين هذا المشهد، رافضا بؤس مدينته، وتقطيب جبين، سكانها، رافعا شعار: "سأبيع الابتسامات".
ويؤمن عبدالله الربعي (24 عاما)، أنّ رمزا صغيرا لـ"سمايل فيس"، ذاك الوجه الأصفر المستدير، سيبعث في نفوس المرهقين، والبائسين "الإحساس بالسعادة".
ولن يُفلس بائع الفرح، وهو يؤمن أن القادم أجمل وأهدأ، كما يقول الربعي، لوكالة الأناضول، وهو يوزع "الوجوه الصفراء الصغيرة الضاحكة" على طلبة إحدى الجامعات في غزة.
يلتقط أحدهم، ابتسامة على هيئة "مشبك" (بروش)، ويُعلقها على قميصه، وسرعان ما تتلاشى تقطيبة حاجبيه، وهو الأمر الذي يفسره الربعي بـسحر "التفاصيل الصغيرة".
ويتابع :" أشياء، صغيرة جدا، قد يكون لها بالغ الأثر في نفوس الآخرين، ومن هنا وُلدت هذه الفكرة، أن أبيع الابتسامات للطلبة الخارجين للتو من حرب إسرائيلية قاسية، للمرضى، للأيتام، لأهالي الأسرى، هذا الوجه الأصفر الباسم، بضحكته الواسعة، أو غمزة إحدى عينيه، كفيل بتغيير المزاج".
ووحدّها الصدفة كما يقول الربعي، كانت الملهم لفكرته، إذ كان يسير في إحدّى الطرقات، كغيره من الشباب في قطاع غزة، يبحث عن عمل، فتعثر بمشبك صغير يتصدره، الوجه الأصفر المألوف (سمايل فيس).
وكان الرمز، كافيا لإسعاد روحه، والتحول كما يقول لبائع للابتسامات، في مدينة "البؤس".
ويعترف الربعي، أن المهمة ليست سهلة، مضيفا:" أن توزع الابتسامات، في مكان يلفه الموت، والضيق، والكآبة، يبدو أمرا جنونيا، ولكن أنا أتحدي نفسي، والآخرين معي، وأحاول جاهدا، أن أستبدل الحزن، بأشياء بسيطة تنشر السعادة".
ويُطلق الربعي خريج العلاقات العامة على نفسه (بائع الابتسامات)، لحاجة الكثيرين في قطاع غزة، لشراء الفرح كما يقول.
ويستطرد شارحا:" الأمر لا علاقة له بالبيع، والشراء، أو أن أوزع وجها ضاحكا، وأتلقى مبلغا، من المال، الفكرة تتلخص في توصيل الإحساس بالسعادة، لأولئك المضغوطين نفسيا".
ويتمنى الربعي، (الذي يعمل متطوعا في عدد من الأماكن والجمعيات)، أن تتحول فكرته إلى حملة قائمة بذاتها، تساهم فيها المؤسسات الحكومية، والأهلية لزرع الفرح في كل مكان في غزة، وإنهاء حالة البؤس والمرارة، التي حولت المدينة إلى "أرض الأحزان"، على حد وصفه.
ويشير إلى أنّ المرضى، والمشردين، ومعظم سكان قطاع غزة، هم من الفئات البائسة، التي تحتاج يوميا إلى لفتات وحركات تذكرهم بشكل الابتسامة والفرح الذي نسّوه، وفق قوله.
ويبتسم الطالب الجامعي بلال البطران (21 عاما)، وتستحيل ابتسامته إلى ضحكة واسعة، والوجه الأصفر السعيد يحتل الجانب الأيسر من قميصه.
ويُضيف لوكالة الأناضول، وهو يسير بالقرب من مبنى داخل الجامعة الإسلامية بغزة، دمرته الطائرات الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة :" إنّه أمر يبعث على السرور، أن يبيع أحدّهم الابتسامات، غزة يُطبق عليها الحصار من كافة النواحي، ولا شيء فيها سوى (الحزن)، و(الكآبة)".
وتتفاقم المعاناة الإنسانية لنحو (1.9 مليون فلسطيني)، في قطاع غزة، وتزداد سوءا، يوما بعد آخر، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي الخانق، بالتزامن مع آثار الحرب الإسرائيلية الأخيرة، التي خلّفت أكثر من ألفي قتيل، ودمرّت آلاف المنازل.
وفي بيان صدر مؤخرا، قالت اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن قطاع غزة (غير حكومية)، إنّ الحصار المفروض على القطاع، والحرب الإسرائيلية الأخيرة، خلّفا وضعاً كارثياً طال كافة مناحي الحياة، ورفعا نسبة الفقر إلى 90% فيما معدل دخل الفرد اليومي أقل من دولار واحد يومياً.