لعله ليس من قبيل الصدفة أن تجمع " مؤسسة سيدة الأرض لتكريم شخصية العام في دورتها العاشرة"، ثمان وعشرين صوتاً من فنانين العرب على أرض مدينة رام لله في منتصف كانون أول لهذا العام، فهي من جهة عدد حروف هجاء لغتنا العربية الجميلة التي تلهج بها أفئدتنا وما زال حال نبضها يقول لسان الضاد يجمعنا، ومن جهة أخرى يعد العمل، عملاً نوعياً ترتقي به المؤسسة إلى مصاف المؤسسات العالمية المختصة بهذا الشأن بالرغم من إمكانياتها المتواضعة.
نعم دائما ما تجمع فلسطين، كل العرب برغم كل حواجز الجغرافيا السياسية التي ما انفكت تحول بينهم وبيننا في هذه الأرض المقدسة، أرض الديانات السماوية الثلاث؛ لنقف على مقربة من القدس بوابة الأرض إلى السماء وما بورك حولها حيث مهد وعتق رقاب وقيامة ودرب المارين من الأنبياء، لنقف وننشد ونغني سوياً أوبريت شمس العروبة التي حتما ستشرق وتملأ الدنيا ضياء وتبدد ليل ربيع أمتنا الخرف الطويل.
أوبريت شمس العروبة خط كلماته الشاعر الفلسطيني سامي مهنا من هناك، من داخل أرض فلسطين المحتلة متجاوزاً حدود تشوهات الهوية العربية؛ لينقل للعالم هذا الأوبريت الذي صاغ حروفه ببراعة وجدارة وهو يحاكي واقع الأمة العربية في قراءة واعية لمجمل ما تتعرض له من تصدعات وتداعيات بسبب ما ألم بعروبتها في فصل شُبه لها بأنه الربيع العربي فإذ هو بتخاريف الربيع الذي ألقى بسدوله الثقيلة جاثماً فوق صدر شعوبها العربية فباتت ترجو الخلاص والانعتاق من نير ما دُبر لها في ليل.
إن شاعرنا الفلسطيني العروبي سامي مهنا وهو يجعل من دلالات كلمات شمس العروبة بدءاً بذلك العنوان كعتبة دلالية تضع النص في حلة المراد له من هذا المعنى العميق مروراً بصوره البلاغية ودلالاته البيانية المحمولة تارة على الرمز وتارة على المباشرة في لغة سادها السهل الممتنع ليس ليمتع من يستمع لهذا النص إنما ليفجر به مضامين رؤيته لكل الأحداث التي مرت وتمر بها أمتنا العربية ناهيك عن انبعاث كلمات هذا النص من قلب فلسطين ليعبر بذلك عن رفض الانقسام الوطني الذي ضرب أجنحة طائر الفينيق فقصم ظهر الوطن مؤكداً بأن العنقاء حتماً ستنفخ الروح في فينيقها لينبعث من الرماد رافضاً كل أشكال التشظي الفلسطيني والعربي وتداعياته على الخريطة الوطنية والقومية.
يمكننا القول بأن أوبريت شمس العروبة ملحمة شعرية غنائية تعيد لأذهاننا أوبريت الحلم العربي الذي عبر عن نبض الأمة العربية في مطلع الألفية الميلادية الثالثة يوم أن هزت دماء الشهيد الطفل محمد الدرة الذي اغتيل برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في حضن أبيه، لكن أن يغنى أوبريت شمس العروبة في فلسطين وعلى مقربة من ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات حيث يرقد في رام الله فثمة دلالة أخرى تحاكي روحه التي انسلت وهو يدافع عن ثرى فلسطين ويهتف باسم الطفل فارس عودة الذي لحق بمحمد الدرة يوم أن استشهد وهو يتحدى الدبابة الإسرائيلية.
إذن سيكون حفل تكريم شخصية العام مختلف عما سبقه من حيث الشخصيات العربية السياسية الوازنة كرئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم الذي هز العالم في خمس وأربعين ثانية وكذلك الشخصيات العالمية على مستوى رؤساء ووزراء وسفراء من العالم كالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادولو وبعض الشخصيات الفلسطينية في الوطن والشتات والمنافي كما وأن ما سيميزه بأنه يقام على إيقاع ألحان الموسيقار العربي المصري الكبير صلاح الشرنوبي الذي أعد لحن هذا الأوبريت العظيم الذي ستهز كلماته المعمورة العربية وهي تصدح بحناجر نجوم العرب الذين سيحملون شمس العروبة ويحلقون بها في مدارات فضاء أمتنا العربية يشعلونها من فلسطين لتشق ظلام الأمة الطويل.
حُق لفلسطين أن تهنأ وتفرح بهذا العمل الفني الكبير وحُق لمؤسسة سيدة الأرض أن تفخر بهذا الجهد العظيم وخاصة ما تقدمه ويقدمه رئيسها التنفيذي الدكتور كمال الحسيني من خلال جولاته المكوكية بين سائر أقطارنا العربية بل وتخطى حدودها إلى بعض دول العالم، ليعقد لقاءات عدة مع شخصيات سياسية وفنية ولوجاً لتتويج حفل شخصية العام بهذا الأوبريت حيث استطاع أن يجمع حوله كوكبة من الفنانين العرب الذين سيكسرون الطوق عن فلسطين.