الحدث الثقافي
ألقى الدكتور خزعل الماجدي، الأستاذ الجامعي العراقي والشاعر والكاتب المسرحي والباحث في علم تاريخ الأديان والحضارات القديمة، محاضرة تحت عنوان "نساءٌ عظيمات من وادي الرافدين.. الأنوثة العراقية في سطوع مجدها"، تناول خلالها نماذج عن نساء صنعن جزءا هاما من تاريخ حضارات وادي الرافدين.
وقدم الماجدي في المحاضرة التي أقامتها "الجمعية الأوروبية للتنمية البشرية"، في مدينة مالمو، جنوب السويد، مساء الأحد، نماذج عن أهم النساء في عصور ما قبل الحضارات ومن ثم نساء من عهد سومر وآشور وبابل، اشتهرن كآلهات أو ملكات أو شاعرات وفنانات وملهمات.
يذكر أن خزعل الماجدي قد ألف 72 كتاباً في حقول تاريخ وعلم الحضارات والأديان والميثولوجيا. كما له 35 مجموعة شعرية و35 مسرحية أغلبها عُرِض على المسارح العراقية والعربية.
الآلهة الأم
وقال الماجدي في مستهل المحاضرة إنه في حدود 8000 ق.م اكتشفت الزراعة في شمال وادي الرافدين، وكانت المرأة هي من اكتشفت الزراعة، ولذلك أصبحت زعيمة المجتمع الفلاحي لاعتقادهم بأن في جسدها قوة خارقة تجعلها تنجب وتزرع.
وظهرت أول الآلهة وهي "الإلهة الأم" التي ترمز للخصوبة، وكانت صورتها توضع في الحقول تبركاً. وهكذا قادت المرأة المجتمع والجانب الديني معاً في تلك المنطقة حينها.
الآلهة الأم في بلاد الرافدين 8000 ق.م
الانقلاب الذكوري
أما في حدود 5000 ق.م اكتشف الرجل في وادي الرافدين النحاس والتعدين واكتشف دوره في الإنجاب، فحصل الانقلاب الذكوري وتهمش دور المرأة ونشأت المدينة والمعابد وأصبح الرجل زعيم المجتمع وزعيم الآلهة وأصبحت المرأة تابعة له، وظهر "الإله الأب" كرمز للهواء والمطر بينما بقيت المرأة كموضوع للإنجاب ورعاية الأسرة.
الانقلاب الذكوري في وادي الرافدين بين 5000 و 3000 ق.م
إنانا وديموزي وعشقهما في سومر
ثم تطرق الماجدي إلى الحضارة السومرية حيث كان للمرأة مكانة كبيرة ولكنها تأتي بعد مكانة الرجل وكذلك في مجمع الآلهة، حيث الآلهة الأم (ننخرساج) زوجة الإله (إنكي)، والآلهة العذراء (إنانا) زوجة الإله (ديموزي) وكانت قصتهما تعبر عن أجمل قصص العشق والحب وأسطورتهما اشتهرت جداً.
إنانا وديموزي وقصص عشهما في سومر
الأكديون والبابليون
كما تحدث عن منح الأكديين الآلهة "عشتار" صفات الحرب والقتال فصارت آلهة الحرب وآلهة الحب في الوقت نفسه. وقال إن البابليين "أحدثوا الانقلاب الذكوري الثاني في صياغتهم لأسطورة الخليقة وهمشوا لاهوتياً المرأة الأم وظهرت عشتار كآلهة ابنة". وأصبحت عشتار الزوجة الرسمية للإله آشور وبذلك أصبحت ممثلة للطقس والهواء والشمس وتم سلب صفاتها الخصيبة والأمومية.
وخلال المحاضرة، ألقى الدكتور خزعل الماجدي قصائد لعشتار وهي تتحدث عن نفسها وقصائد لأول شاعرة في التاريخ وهي" أنخيدو- أنّا" بأداء مسرحي جميل ومتميز أبهر الجمهور الذي ملأ القاعة.
عشتار المحاربة في أكد
نساء بابليات
النص البلبلي الذي كتبته نبونائيد حول الكاهنة العليا
الملكة "بو آبي" أو "شبعاد"
وبدأ الباحث بالتطرق إلى أهم نماذج النساء العظيمات وعلى رأسهن ملكة أور "بو آبي" أو "شبعاد" وهي زوجة الملك "آبار كي أحد" من سلالة آور الأولى في فترة حوالي 2500 ق.م. وقال إنها تمتعت بمركز رفيع إذ دفن معها 59 شخصاً وكميات كبيرة من الحاجيات الثمينة والعربات والأدوات.
وكانت "بو آبي" مدفونة بكامل زينتها وممددة على سرير خشبي مع وصيفتين لها الأولى قرب رأسها والثانية قرب قدميها ومعها ثلاث أختام أسطوانية لازوردية تحمل اسمها ولقبها.
بو آبي أو شبعاد -ملكة أور زوجة الملك آبار- كي أحد ملوك سلالة آور الأولى سنة 2650ق.م
أول شاعرة في التاريخ
أما أول شاعرة في التاريخ فهي "أنخيدو- أنّا" بين (2300- 2225 ق.م) ويعني اسمها "الكاهنة العليا زينة السماء" والتي تعتبر واحدة من أعظم شاعرات العالم القديم وهي ابنة الملك سرجون الأكدي. وقد كتبت نصوصها باللغة السومرية.
ويقول الدكتور خزعل الماجدي إن السبب الذي دفع بالمؤرخين والباحثين أن يعتبروا "أنخيدو- أنّا" كأول شاعرة في التاريخ هو أنها كانت تذيّل على ألواح قصائدها اسمها، فيما كانت ألواح الشعر قبلها خالية من اسم مؤلفيها وكان بعضها يحمل أسماء نسّاخ هذه القصائد وليس أسماء مؤلفيها، مضيفا: "جُمع ما توفر من قصائدها وبلغت حوالي 42 قصيدة".
وأوضح الباحث العراقي أن الكاتب وليام هالو قد وصف هذه الشاعرة بأنها "شكسبير الأدب السومري".
أنخيدو- أنا - اول شاعرة في التاريخ
الملكة سميراميس
الملكة سميراميس هي ملكة آشورية تاريخية تُعرف كذلك بالأسماء سميراميده وسميراميدا وشميرام وسومو رامات (محبوبة العالم)، وهي زوجة للملك الآشوري شمشي أدد الخامس (822-811 ق.م). تولت السلطة نيابة عنه والدته سمو رامات لمدة خمس سنوات.
سميراميس
زكوتو أو نقية
أما زكوتو (الاسم الآرامي) أو نقية (الاسم الآشوري والمشتق من النقاء) فهي زوجة الملك سنحاريب خلال ولايته للعهد. وقد لعبت دورا يرقى إلى دور سميراميس في توجيه الحوادث في الإمبراطورية الآشورية.
ولعل أهم منجزات نقية يكمن فيما نطلق عليه في الوقت الحاضر "صناعة الملوك". وربما كان غزو مصر وضمها الى الإمبراطورية هو الآخر بتخطيط منها أيضا.
الملكة شيبتو
الملكة شيبتو هي ابنة يارملم زوجة الملك زمريلم (1780- 1760 ق.م) ملك دولة ماري، التي زوجها أبوها إليه بعد أن استطاع بمساعدته استرجاع عرشه، وكانت متميزة في الحكم والإدارة، وخاصة في خلافة زوجها وهو يدير شؤون الحرب.
شيبتو اشتهرت بأفكارها العسكرية ورومانسيتها واهتمامها بالرعية. فيمكننا القول إنها كانت ذات خصال حميدة وكان ذلك واضحاً من رسائلها التي كانت توجهها إلى زوجها حين يكون بعيدا٬ وهي "مثال الزوجة المخلصة والمرأة الشجاعة".
الملكة شيبتو
سيدة الجنائن المعلقة
أميديا أو أوميت هي زوجة نبوخذنصر الثاني، التي أتت بفكرة الجنائن المعلقة، لأنها من ميديا وكانت تشتاق لبلادها ذات الجبال الخضراء، وقد زرعت الأشجار والأزهار فوق أقواس حجرية ارتفاعها 23 متراً فوق سطوح الأراضي المجاورة للقصر وكانت تسقى من مياه الفرات بواسطة نظام ميكانيكي معقد. وبذلك تكون الحدائق ليست معلقة فعليا.
لكن المفاجأة التي كشفها الدكتور خزعل الماجدي حول الجنائن المعلقة هي أن هذه الجنائن التي تعد إحدى عجائب الدنيا السبع لم تكن في بابل، وقال إن باحثة تدعى ستيفاني دالي، كشفت أن هذه الجنائن تقع في مجمع قصر سنحاريب قرب نينوى.
وعرفت دالي كيف كانت تسقى الأشجار في الأعالي من قناة في المدينة بواسطة (ألاميتو) وهو شكل حلزوني لقناة حجرية تصعد فيها المياه، وبذلك يكون الآشوريون قد اكتشفوا (لولب أرخميدس) قبل ولادته بثلاثة قرون.
الجنائن المعلقة
مكانة المرأة في حضارات وادي الرافدين
وبحسب الماجدي، حظيت المرأة في الحضارة السومرية بمقام رفيع في مجتمعها وقد كفلت لها القوانين السومرية حقوقها في كل المجالات الاجتماعية. وحفظت شريعة أوركاجينا حقوق النساء المتزوجات والأرامل والأيتام، وحمت النساء من جشع الطامعين بهن من أسرهن أو مجتمعاتهن.
ولعل أبرز ما احتوته، أيضاً، هو منع النساء من التزوج بأكثر من رجل واحد وسنّت عقوبة الرجم بالحجارة لكل امرأة تخالف ذلك.
عقد الزواج محفوظ كلوحٍ من الطين عند الرجل والمرأة وهو مدوّن في محكمة وبحضور شهود، وبإشهار علني ذي حفلةٍ وبمعرفة الجميع وترعاه الآلهة والدولة.
الزواج في سومر
المرأة في قانون حمورابي
خصصت شريعة حمورابي في بابل، أكثر من ثلاثين مادة قانونية لشؤون الأسرة، والمرأة بالذات، من زواج وطلاق وإرث وتبنٍ، وحمايتها من أنواع الاعتداء.
الحجاب
ظهر الحجاب في العصر الآشوري لتمييز المرأة الحرة المتزوجة التي يجب أن تضع غطاء الرأس والمرأة التابعة وغير المتزوجة التي يجب أن تكشف رأسها. الحجاب لم يكن يحمل دلالات دينية، كما في الديانات التوحيدية اللاحقة، ولم يميز هذا القانون بين المرأة الحرة والأمة وحسب، وإنما بين المتزوجة وبين غير المتزوجة.
الموسيقى والغناء
وعكست الأختام واللقى الأثرية مشاركة المرأة في الأدب وفي العزف والغناء على الآلات في مختلف عصور حضارات وادي الرافدين. وكانت مهنة العزف، وخاصة لعازفي المعابد، تعد من المهن المرموقة، وإلا لما ذُكر تميز الملك شولكي ثاني ملوك سلالة أور الثالثة بإجادته العزف والغناء وهو الملك.
ومن النساء العظيمات "أورناشه" أو "أورنينا"، وهي موسيقية سومرية في 2000 ق.م.
المصدر: العربية