ترجمة الحدث- احمد بعلوشة
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالا تحليليا للكاتبة الإسرارئيلية عاميرا هاس، تصف فيه حالة الحراك الثقافي في فلسطين، وأنه رغم كل هذه الحياة، فإنه لا حياة طبيعية.
خلق العدد الكبير من الاحداث الثقافية في رام الله مساء السبت الماضي معضلة اختيار. هل يجب أن تذهب إلى مركز خليل السكاكيني الثقافي لمشاهدة الأفلام الدولية القصيرة الذي يأتي كجزء من مهرجان أيام السينما السنوية، أو لمشاهدة الأفلام القصيرة في مسرح البلدية المتنافسة على الجائزة الكبرى للمهرجان؟
هل يجب أن تذهب إلى افتتاح معرض "التحول" الذي يعرض أعمال الفنان كريم أبو شقرة من أم الفحم في البيرة، أو إلى إطلاق كتاب "رام الله العثمانية 1515-1918 الذي كتبه سميح حمودة المحاضرة في جامعة بير زيت ونشره معهد الدراسات الفلسطينية؟
كانت مناقشة الكتاب تجري من قبل المؤلفين والباحثين الرائعين نظمي الجبة وسليم تماري. وقد أقيم هذا الحدث على مدخل مبنى البلدية في نفس الوقت الذي افتتح فيه المعرض الفني. وأضف إلى معضلة الاختيار، أنه في الوقت نفسه كان معهد بارينبويم سعيد يقيم حفلة موسيقية في قاعة إدوارد سعيد في مبنى جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية.
أينما يعيش الناس، هناك الفن والإبداع والناس يسعون إلى إثراء أنفسهم بهذه الطريقة. في رام الله وكما في أي مكان آخر، الإبداع يكون أيضا تعبيرا عن استمرارية وجود المجتمع، حتى حين يتعلق الموضوع بالتفكك والطرد والأحداث المؤسفة المستمرة.
هذا النشاط الثقافي المتزايد ينبغي أن يأتي على أنه أمر غير مفاجئ، يجمع بين الفن والفنانين الفلسطينيين من جميع أنحاء العالم -بما في ذلك غزة بالطبع- كما يشارك أيضاً في ذلك السكان في الخط الأخضر، وهذا يعني أنه حتى مشاركة الفلسطينيين الذين يحملون هوية إسرائيلية في هذه الأنشطة الثقافية والأدبية في الضفة الغربية هي أمر بديهي.. كل فلسطين تشارك تقريباً في هذه الأنشطة.
وتسعى عدة مؤسسات ثقافية محلية ودولية جاهدة إلى جعل هذه الأنشطة الثقافية متاحة للجميع، وليس فقط لقطاع صغير من الناس. وهم يحاولون الحصول على أطفال لا ينتمون إلى الطبقة المتوسطة أو العليا لحضور دروس الفن. إن إضفاء الطابع الديمقراطي وإيصال الأنشطة الثقافية للجميع يشكل تحديا لأي مجتمع طبيعي، ولا سيما في العصر النيوليبرالي، ولكن هنا لا يمكن الحديث عن الحياة الطبيعية حين نتحدث عن الفلسطينيين.
فعندما يكون هناك انفصال جغرافي وسياسي بين الفلسطينيين، ويكون هناك منظمات سياسية فلسطينية متحجرة ومخيبة للآمال وسط تفكك وفقدان لنشطائها على القدرة على إحداث التغيير، فإن المجال الثقافي والأدبي والفني يحملون أهمية أكبر بكثير في بناء ديناميكي للهوية والشعور بالانتماء.
لا أحد ينسى أن كيلو مترا واحدا فقط يفصل قاعة إدوارد سعيد عن الهيكل التهديدي والمتغطرس والعنيف الذي يتمثل بالإدارة المدنية الإسرائيلية. حتى عندما يصل الناس إلى القصر الثقافي بعد الظلام يعرفون أن كيلومترين إلى الجنوب الغربي يقبع فيها مئات السجناء في سجن عوفر الإسرائيلي المحاط بألواح خرسانية لإخفائه عن الإسرائيليين الذين يقودون على طريق 443. هذا الطريق الذي لا يستطيع الفلسطينيون الوصول إليه وهي الحدود الجنوبية لتخوم رام الله. حدود مصطنعة وعنيفة، ولكنها حقيقية جداً.
وعلى الرغم من إدراكه للأسلاك الشائكة، فإن النشاط الثقافي يسهم في حلم السيادة أو الاستقلال الذي يسود على الكل الفلسطيني. وإضافة إلى ذلك فإن التطور الثقافي والتربوي الذي يتحقق داخل هذه المناطق الفلسطينية يجعل الناس يعتادون على الحدود الاصطناعية والحواجز التي تقسمهم، والتي بنتها إسرائيل بالتطور والخداع.
الوهم الذي يتم تقديمه حول عالم بلا حدود، والذي تقدمه الشبكات الافتراضية، له أيضا تأثير على تفتيت الحالة الفلسطينية. فهناك القرى التي يهددها المستوطنون والجنود باستمرار، وأحياء القدس التي تقلصها إسرائيل وتزيد من فقرها، ومخيمات اللاجئين التي تأكلها البطالة، فضلا عن أماكن أخرى مقسمة بين حواجز ومنطقة سي، وهي كلها أمور متفق عليها إسرائيليا ولا أحد يريد مواجهتها.
وهكذا تصبح المنطقة المطوقة والمحاصرة رغم كل هذا، ملاذاً ومكاناً للاختباء من معرفة أن لا شيء طبيعي يحدث حولها.