* كتبت جمانة غنيمات
غريب أمرنا؛ فما أن يقول أحدهم إن دور الأردن الوظيفي انتهى، وإن البلد يواجه تحديات كبيرة تهدد وجوده، حتى يمسك كثيرون بالفكرة ويبدؤون بترويجها وتكرارها وكأنها مصير قادم لا محالة!
البعض يذهب لهذه النتيجة بسبب معطيات، منها انفتاح إسرائيل على دول شقيقة وبالتالي تخلي تلك الدول عن حاجتها للأردن و"دوره الوظيفي" الذي اكتسبه نتيجة موقعه الجيوسياسي، وأيضا لتخلي العرب، وتحديدا الخليج، عن الأردن اقتصاديا، ما يضع المملكة في وضع اقتصادي صعب. كما يضيفون إلى الأسباب ترتيب اليمين الإسرائيلي لمؤتمر عنوانه أن "الأردن هو فلسطين" شارك به ثلاثة من الخونة.
ورغم أن فكرة اليمين وترويجه للحل الأردني مسألة بدأت منذ عقود، فلماذا تأخذ أكبر من حجمها اليوم، وكأن القصد إضعاف ثقة الأردنيين بمنعة هذا البلد وصموده.
الأردن يمر بأزمة خانقة على الصعيد الاقتصادي، وهو لا ينكر هذا الأمر أبدا، لكنها بالتأكيد ليست كما يحلو للبعض تصويرها بأنها "أزمة وجود" وتهدد مصير البلد وبقاءه. هذا شطط كبير.
كما أن توتر العلاقة مع إسرائيل لا يرتبط بانفتاح دولة الاحتلال على غيرنا من العرب، بل بإصرار الأردن على حفظ حقوق مواطنيه في قضية السفارة ودوره في الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية ومواجهة الاعتداء الإسرائيلي على القدس.
هؤلاء يتناسون ان عمر الدولة الأردنية الحديثة زاد على مئة عام، تحققت خلالها كثير من الإنجازات، فبنت المؤسسات العسكرية والأمنية كما جهازها المدني، وفيه ملايين المواطنين المتعلمين المثقفين، منهم مليون مواطن موزعون في دول مجاورة يساعدون في بنائها وإدارتها، كما أنهم يغفلون عن أن في هذا البلد شعبا يدافع عنه ويحميه من كل المؤامرات التي تحاك هنا وهناك.
لكن ما هو مستغرب إلى درجة الحزن والغضب، هو ما يكشف عنه الجدل القائم في الساحة خلال الأيام الماضية، من ضعف الإيمان بالبلد ومستقبله من قبل أردنيين، بعضهم انساق إلى تصورات الآخر وتمنياته وأطماعه، وآخرين تبنوا الخطاب المعادي نفسه الذي يسوقه المتربصون، من دون أن يدركوا أن الخديعة الكبيرة التي تتم محاولة استدراجنا إليها، وهي ممارسة الكذب حتى ينحفر في الوجدان، وتغييب الحقيقة حتى ننسى نقاط القوة والمشتركات التي جمعت شعبا لأكثر من قرن من الزمان، ظل على الدوام قادرا على تثبيت وحدته في أحلك الظروف والأحداث.
ضعف الإيمان بالأردن كبلد قابل للاستمرار، ربما مرده تكرار بعضهم سمفونية الحديث عن نظرية "الدور" المنوط بالأردن كشرط بقاء، رغم أنها ماتت منذ زمن، فنظرية "الدور" أو "المنطقة العازلة" التي يربطون وجود الأردن بها باتت تحتاج إلى دراسة أعمق وأكثر علمية، بدلا من ترديد عبارات تنسفها المعطيات والأحداث الواقعية.
هناك من يرى أن من مصلحته تقديم الأردن كبلد هشّ وضعيف، وأن وجوده معتمد على الآخر ودعمه، وعلى وظيفة يؤديها. بصراحة هذه التنظيرات صارت من الماضي، وإلا فكيف يفسرون أن الأردن؛ البلد الفقير محدود الموارد هو الوحيد الذي صمد في وجه تسونامي الربيع العربي، وخرج منه سالما معافى وأكثر قوة وصمودا. كما تمكّن أيضا من الحفاظ على حدوده، بينما تفككت دول بسبب حروب طاحنة بين أبناء البلد الواحد.
منعة الأردن ليست كلام إنشاء، بل حقيقة تؤكدها المعطيات على أرض الواقع، وعلينا الانتباه لما يردد من أفكار، وأن نقرأ المشهد بتفاصيله لندرك مدى نجاح الأردن بقيادته وشعبه في اجتياز كل الامتحانات القاسية السابقة، وأن لا نتأثر بنظريات مريضة يروَّج لها بهدف خلخلة إيمان الناس بوطنهم.
علينا، كأردنيين، أن نمسك على وطننا، وأن نقلب التحدي الكبير والأزمة الحالية إلى فرصة، لنكرس بالفعل فكرة الاعتماد على الذات لبناء دولتنا الوطنية بعيدا عن نظرية الدور السخيفة التي انتهت، بحيث ندير مواردنا المحلية على محدوديتها، ونعظم القيمة المضافة لكل ما لدينا.
يمكن لكل العالم ان يستمر بالترويج لفكرة الدور الوظيفي، لكن هذا السلوك من الأردنيين الذين بنوا بلدا حديثا غير مقبول، فصمود البلد أمام المؤامرات يحتاج إلى عدم التسليم بمثل هذه الأفكار المسمومة، لنمضي بثبات في بناء دولتنا الوطنية وتمتين جبهتنا الداخلية في وجه كل هذه الأفكار، فلا يمكن لأحد الإضرار بالأردن إلا ضعف إيمان أهله به وتسليمهم بما يقوله الآخرون؛ بنية حسنة أو سيئة.
المصدر: الغد الأردنية