ترجمة الحدث- أحمد بعلوشة
نشرت صحيفة هآرتس مقالا حول استمرار المقاربات بين احتلال اسبانيا لكتالونيا كما يصفها المقال واحتلال اسرائيل للسلطة.
وفيما يلي نص المقال:
في برشلونة، كانت الشوارع تعج بالملصقات التي لا تزال معلقة وتطالب باستقلال كتالونيا عن إسبانيا. ورغم كل هذه المطالبات لا تزال هناك شكوك من الانهيار الاقتصادي، حيث يجسد هذا الأمر تشابكاً من التناقضات المتعلقة بكتالونيا، فهي غنية جداً، ولكنها تشكو من التمييز. سكانها يعتبرون من مواطني إسبانيا، ولكن البعض يعتبر هذا الأمر "احتلال". لدى كتالونيا السلطة والميزانية لتعزيز اللغة والثقافة الكتالونية على الرغم من أن اللغة الكتالونية هي الأم لأقل من نصف سكان المنطقة الكتلونية.
يمكن للمرء أن يفهم المشاعر الوطنية لدى الكتالونيين الذين عانوا خلال الحقبة الفاشية في إسبانيا، وأيضا قبل تلك الفترة. وسيكون من الرائع أن تحافظ كتالونيا على دخلها لنفسها بدلاً من تقاسمه مع المناطق الأكثر فقراً في إسبانيا. ولكن في الواقع.. ما هو السيء في الوضع الحالي؟
كتالونيا هي موقع استراتيجي يعتبر مغناطيس للثقافة والعلوم والرياضة. بإمكاننا القول إنها لديها كل شيء، وشكواها الرئيسية تكمن في فيضانات السياح الذين يزورونها.
ولدى كتالونيا حكومة مستقلة تتمتع بأوسع سلطة من نوعها في أوروبا، وإذا أريد لها أن تصبح مستقلة، فإن هدفها الأول هو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي -التي هي بالفعل جزء منه-، أما بالنسبة لمشكلة المال، باعتبارها بلداً غنيا، فسيكون دعمها للبلدان الأخرى -بما فيها إسبانيا- من خلال الاتحاد الأوروبي. إذن ما هي النقطة الفاصلة في كل هذه الضجة؟
منطقة برشلونة هي موطن لأكثر من ثلثي سكان كتالونيا. هي واحدة من أكثر المناطق ازدهارا ليس فقط في إسبانيا ولكن في أوروبا كلها. نموذج للتنمية الحضرية والهندسة المعمارية الإبداعية، والمطاعم المتألقة. هي أيضا منطقة التقاطع التجاري الذي يتطور بشكل متسارع وتعتبر من أعلى المناطق مرتبة في العالم لنوعية ورفاهية الحياة. ولذلك فليس من العجيب أن ترى جماهير من الناس الذين يقاتلون من أجل بقاء هذه القطعة في إسبانيا.
وبطبيعة الحال هذا لا يبرر العنف الذي تستخدمه الشرطة الإسبانية ضد الكتالونيين الذين يريدون التصويت في الاستفتاء. ما حدث كان كمية كبيرة من الحماقة وكان قرار الحكومة المدريدية بمنع إجراء الاستفتاء خطأ فادح خاصة بعد أن صدر قرار بمنع الاستفتاء بالقوة. كما أن قرار برلمان كتالونيا بمنح الرئيس الإقليمي "تفويضاً" لإعلان الاستقلال كان بلا معنى.
ومنذ الاستفتاء، فرت مئات الشركات بما فيها البنوك من المنطقة. وبات الناس يقولون إن القادة الإقليميين والوطنيين لم يعودوا قادرين على النزول عن الشجرة التي تسلقوها في هذه الأزمة غير الضرورية.
بعض الناس في اليمين الإسرائيلي فرحوا بأزمة اسبانيا لأن إسبانيا كما يعتقدون "معادية" لإسرائيل وتدعم الفلسطينيين.
ولكن حتى لا يفرح هؤلاء الناس كثيراً، بإمكاننا القول إن هناك فروق هائلة بين الفلسطينيين والكتالونيين في جميع مناحي الحياة، فكتالونيا من المناطق الغنية في أوروبا، ولا يفتقرون إلى حقوقهم الأساسية مثل حرية الحركة والأمن ولا يواجهون العنف والظروف الاجتماعية والاضطهاد بسبب الصراع الوطني.
إن اختبار تطلعات الاستقال هو أولاً وقبل كل شيء اختبار لحقوق الإنسان: هل يتمتع جميع أعضاء المجموعة بحقوق متساوية بموجب القانون؟ وهل يتمتعون بتمثيل عادل وقدرة على التصويت والترشح لجميع المؤسسات وشبكة الأمان الاجتماعي؟ وهل تحصل الحقوق الوطنية على تعبير مناسب داخل الإطار القائم، أم أنه من الضروري وضع إطار سياسي جديد؟
واستنادا إلى كل هذه التجارب، نكتشف أن كتالونيا لديها وضع مختلف عن الفلسطينيين الذين يناضلون من أجل إقامة دولتهم في ظل التحديات وعدم وجود موازين قوى بينهم وبين إسرائيل، في حين أن كتالونيا يمكنها أن تظل جزءً من إسبانيا وتستمر في الازدهار.