للتاريخ خباياه، وفيه من الخبايا التي تكشفت وما نعرفه، وفيه من الأمور ما نظل نتعلمه كلما أعدنا قراءة التاريخ وكلما بحثنا في تفاصيله لنعرف أكثر، ولنجيب على أسئلة نظل نسألها لأنفسنا كلما حلت ذكرى ما لتقلب مواجع التاريخ علينا.
ونظل نحن الذين لم نعش فترة خسارة فلسطين، نسأل: لم خسرناها؟
وفي كل مرة، بإمكانك أن تقدم جواباً مختلفا، وفي كل مرة بإمكانك، أن تأخذ منحى نظريا تحليليا مختلفا لتفسير النتيجة، وستظل تخرج إجابات متعددة باختلاف المنهج البحثي، ونظرية التحليل المتبعة، ومصادر التحليل التاريخي.
في احدى المراجعات التاريخية يتبين كيف عمل حاييم وايزمان، أول رئيس لدولة الاحتلال الإسرائيلي، على وضع كل جهوده في سبيل إنشاء "وطن قومي لليهود"، فبعد استقراره في بريطانيا مهاجرا إليها من روسيا، صادق الوزير بلفورد فكان من أقرب المقربين له، وبالتالي كان مقربا من عملية صناعة القرار في بريطانيا.
ولأن التاريخ في بعض اللحظات المفصلية يخدم أولئك الذين يستطيعون تسخير مهاراتهم لتحقيق أهدافهم، فقد انطبق الأمر على وايزمان الذي كان عالم كيمياء، ولأن بريطانيا كانت في خضم حربها العالمية الأولى، فقد عانت من نقص من نوع من انواع المتفجرات التي أوكل إلى وايزمان اكتشافها، فاكتشف مادة الأسيتون (مزيل طلاء الأظافر) والتي استخدمتها في صناعة المتفجرات التي تحتاجها بريطانيا مما وفر عليها استيراد المواد المتفجرة من الخارج.
فعندما سأله رئيس وزراء بريطانيا كيف بالإمكان مكافأته طالب وايزمان أن يتم تقديم مكافأة للشعب اليهودي بأن يتم إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.
من هنا عقد وايزمان سلسلة اجتماعات مع كبار القادة والضباط البريطان ومع روتشلد إلى أن صدر وعد بلفور.
مقدرة هذا الشعب الحي على التذكر مهمة جدا، حتى وإن كانت بعض العبارات التي تصوغها ذاكرته مفتتة، وغير مترابطة، لسوء حال البلاد. لكن تظل القيمة الثمينة المدركة هنا أننا سنظل نتذكر كل الظلم الذي لحق بنا، ومن واجبنا، وواجب كل واحد منا، أن يحاول الكتابة في التاريخ، لأننا نريد أن نتخطى ما يحاول الاحتلال صياغته لنا من ذاكرة جماعية جديدة ضمن منظومة قوى جديدة، وما تحاول النخب السياسية المحلية والدولية والإقليمية فرضه علينا من قطع جغرافيا غير موجودة على خارطة العالم الحالية.