بقلم- محمد بدر
حادثة هيروشيما وناكازاكي مأساة من مآسي العالم ومآسي اليابان على وجه التحديد، هذه المأساة رغم ثقلها دفعت اليابان إلى القفز إلى المستحيل لتجاوزها، أساس الحل كان مأسسة المؤسسة المجتمعية التقليدية فتحولت اليابان من بلد القبائل إلى بلد "الرقمية العالمية" وصارت منافسا قويا لدول عظمى في التصنيع والتصدير، خلال 30 عاما ما بعد المأساة استطاعت اليابان أن تصنع نموذجا متقدما متحضرا متميزا يجمع بين البنية الحضارية اليابانية وبين التقدم العالمي.
ما أن تأتي ذكرى وعد بلفور كمأساة مستمرة في سياق حياة الفلسطيني، إلا وتبدأ الطقوس المختلفة للتعبير عن الرفض لهذا الوعد، المواطن الفلسطيني يستجيب للطرق التي تقرها نخبته للتعبير عن المأساة، وسائل الإعلام تتسابق على تغطية الحدث من زوايا جديدة كل مرة، فنرى صحفي يسائل العامة في الشارع عن الوعد وحين تكون الإجابات غريبة، تترجم المأساة لكوميديا، وفاكهة مشاهداتية، هل يريد هذا الصحفي أو ذاك أن يقولون أننا شعب جاهل ؟ وأيا كانت الإجابة. فأين مسؤوليتك المجتمعية والوطنية كصحفي ؟ هل عاد هذا الصحفي إلى مكتبه ووضع مخططا لبرنامج تثقيفي عن المحطات الأساسية في التاريخ الفلسطيني، أم اكتفى بامتاع أنظارنا بهذه الكوميديا السوداء، أريد أن أذكر هذا النوع من الصحفيين أن جابوتنسكي وقف يوما في البرلمان البريطاني مستنكرا على العالم مساواة أحلام شعب مثقف (اليهود) بأحلام شعب جاهل (الفلسطينيين) يجهل تاريخه وحاضره، وأذكرهم أيضا أن إسرائيل ما زالت تستثمر بالهولوكوست وجدانيا وماليا من خلال عرض فصول "المأساة" المختلف أصلا على معطياتها، هذه منهجية تغطية المآسي يا سيدي الصحفي.
يقول إدوارد سعيد إن الشعب الفلسطيني تعرض لانتكاسة قدرية، قدر الفلسطيني تحول بفعل المتغيرات التي أحدثها الاحتلال إلى قدر ينمو ويسير تحت موجة العنف والتشريد واللاوطن، وهنا أذكرك سيدي الصحفي أنني مقدّر لي أن أسير يوميا بمحاذاة شارع القدر المتحول شارع "443"، هذا الشارع الذي تسير عليه بوسطة نقل الأسرى لمحكمة عوفر، بلفور يلوّن هذا الأزرق من الشمال والجنوب إلى عوفر، وعندما كنت أسيرا، كنت في طريقي للمحكمة أرى بيتنا من نوافذ حديدية تبث فيّ وجع وذكرى، كنت أتمنى أن تنقلب البوسطة لكي أركض لحضن أمي ولو جريحا، هل تمنى أحدكم أن يتعرض لحادث سير؟ أنا تمنيته يا من حولت المأساة لكوميديا.
هذا الشارع مضطر أن أسير بمحاذاته يوميا، قدرية الزمن تتطلب أن أسير بالقرب منه في أوقات في الغالب أرى فيها بوسطة السجن، إنه ظلم الجغرافيا والتوقيت، فـبلفور يلاحقني صباح مساء ليشتت أوراق وأفكار يوم كامل. لو استنطقت هذا الشارع في مقابلاتك لروى لك من الوجع والحكمة ما لا يقدّر، فلا تستنطق المكلومين بالأسماء وإنما بالأوجاع و الأقدار، ستذهل ياسيدي ! استنطق الأقدار بعيدا عن أسلوب الكاميرا الخفية وقل للنخبة أن لا تعدَ احتفالات يغلب عليها ثقافة "السلفي" .
لا أدري إذا كان اليابانيون يحتفلون بذكرى هيروشيما وناكازاكي ولكن إنجازاتهم إحتفال يومي بهزيمة المقبرة والنووي، أما الصهيونية فقد استطاع قادتها والذين معظمهم صحفيين أن يبنوا دولة من خلال الاستثمار في الوجدان، أما نحن …..