في هذه الأيام عكفت على كتابة سلسلة مطولة عن إعلام الفصائل الفلسطينية المختلفة وبدأت بحركة حماس.
تعددت المنابر المتحدثة باسم حماس منذ انطلاقتها، فتطور خطابها الإعلامي، بحسب تطور الواقع الذي عليه الحركة، من حيث: أشكال التواصل مع الجمهور، وانفتاح الإعلام في الأرض الفلسطينية، بالإضافة إلى حجم القناعة التي عليها قيادة الحركة في صنف من أصناف الإعلام المعروفة على الأرض.
الحديث عن إعلام حماس، وسبل تواصلها مع الناس، لم يقتصر في تاريخ الحركة على الناطقين باسمها، بل تعددت منهجيته مع انطلاق الحركة، عبر الكتابة على الجدران والاعتماد على سماعات المساجد، بالإضافة إلى البيان الرسمي، مرورا بالاحتفالات الكبيرة، وصولا إلى المواقع الإلكترونية، والإذاعات، والمحطات التلفزيونية، المقربة أو المدعومة منها.
هذا المبحث لمناقشته يحتاج إلى كتب موسوعية للإطلالة عليه ومناقشته علميا، لذلك اعتمدنا في تحليل الخطاب في هذا المقال على ما بات يعرف لدى حماس" الناطقون باسمها" لنستمر في الحديث عن الملفات الأخرى بشكل تفصيلي.
العمل أي ضمن مؤسسة "الناطقون" بهذا الشكل لم يكن معروفا عن حماس منذ نشأتها، إذ كانت الحركة تعتمد في التصريحات على قيادتها في تصدير المواقف، الأمر الذي أدخل الحركة وما زال في كثير من المنزلقات التي قد تكون خطيرة على الحركة، سواء في فهم المتابع لسلوكها، خاصة في المحطات المهمة والحساسة، أو ما قد يصيب الحركة من انطباعات ومواقف من الخصوم والحلفاء جراء تلك التصريحات.
هذا الشكل "الناطقون" كان واضحا في مرج الزهور، إذ عرفت حماس حينها، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله، والدكتور عزيز دويك، ثم انتقلت الحالة لمجموعة من القيادات في غزة والضفة بعد العام 1998، حيث باتت تفرز الحركة بعض قياداتها للحديث خاصة في الخارج.
في تاريخ الحركة برز العديد من المتحدثين باسمها، بوزن قيادات، أعضاء مكاتب إداريه، إذ تميز منهم العديد في الحضور الإعلامي والقدرة على إقناع ماكنته مثل: أسامه حمدان، الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، الشهيد جمال منصور، إسماعيل هنية، خالد مشعل وآخرون، ثم شخصيات أخرى بأقل درجة سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وهنا نقصد بالتميز ( قوة في اللغة، كريزما الحديث، امتلاك المعلومة، نخبوية وشعبوية الحضور).
وفي المقابل ومع الزيادة الكبيرة في وسائل الإعلام، ظهرت قيادات أخرى لم تناسب الإعلام، ولم يناسبها الإعلام، ظل بعضها حاضر وتوقف البعض الآخر عن الظهور لأسباب مختلفة.
في السنوات الثمانية الماضية وبعد انتخابات التشريعي عام 2006، زادت وتيرة التفاعل الحمساوي والاتصال بالإعلام، عبر الشخصيات القيادية، حيث نشأ ما يعرف "الناطقون" باسمها الشباب في قطاع غزة، وبرز بعض في الضفة الغربية، تحدثوا باسم الحركة كقيادات.
في هذه المرحلة ظهر أيضا أشخاص حضروا ككفاءات وشخصيات وما زال بعضها، يؤثر سلبا على المشهد الإعلامي من حيث قدرتهم على تسويق موقف الحركة، أو قدرتهم على إقناع الناس بشخصياتهم، الأمر الذي تتفاوت القناعة والتقييم للضرر الذي يصيب حماس جراء ذلك.
هذا الواقع وما قبل انتفاضة القدس، ظهرت فجوة كبيرة، الضفة غاب فيها الوجه الإعلامي لحماس، وضعف معها الحضور القيادي في المساحات المختلفة في الخطاب، كما لم يستطع الناطقون المعروفون تعبئة الفراغ لأسباب أهمها بعدهم عن ساحة الفعل، وجانب آخر له علاقة بالنظرة المجتمعية التي تكونت عن الفصائل لدى الجمهور الفلسطيني.
هذا الأمر خلق اختلالا كبيرا في التوازن الإعلامي داخل الأرض الفلسطينية، فبرز في ذلك شكل إعلامي ما يعرف بظاهرة (الشخصيات) والمؤسسات الشعبية، والذي يحتاج مبحثا خاصا في ذلك وهو ما سنتناوله في المقال القادم.