السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خارطة الدم كتب: أحمد زكارنة

آخر كلام

2017-11-07 12:07:52 AM
خارطة الدم
كتب: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

لم يغالِ "مارتن لوثر كنغ" حينما قال: "لا يستطيع أحد ركوب ظهرك، إلا إذا كنت منحنياً" من هنا علينا أن ننظر إلى مجمل ما يدور في الشرق الأوسط هذه الأيام، والأمر لا يختصر على محاولات تغيير "هوية الدولة" في السعودية كمثال، من دولة دينية متشددة تتبع نهج ما اصطلح على تسميته بـ "الصحوة" إلى دولة معتدلة ومتحررة على حد تعبير ولي العهد السعودي الشاب، وكذا لا يمكننا ربطه حصراً في الاستقالة المفاجئة للسيد سعد الحريري رئيس وزراء لبنان التي أعلنها من العربية السعودية، وهجومه العنيف على إيران وحزب الله،   

كما أننا نخطئ إن أوقفنا الأمر عند حدود الدفع بإنهاء ملف الانقسام الفلسطيني لصالح إجراء مصالحة تصب بلا شك في سياق مشروع الشرق الأوسط الشريك للكيان الإسرائيلي سياسيا واقتصاديا.

إن رجعنا إلى التصريحات الأخيرة لولي العهد السعودي بخصوص الشأن الاقتصادي، وهو يدعو أوبك إلى تمديد خفض إنتاج النفط العالمي في مسعى لتحقيق الاستقرار بين العرض والطلب، ونظرنا إلى العلاقة الواضحة بين هذه الدعوة وتصريحات ترامب عشية عودته من زيارة المملكة السعودية، واحتفاءه بما عاد به من أموال ومشاريع تخدم في المقام الأول المجتمع الأمريكي ومن ثم الغرب، سندرك أن مسألة الشرق في الوعي الأمريكي خاصة والغربي عامة، هي مسألة سيطرة اقتصادية وسياسية تستحق إراقة الكثير من الدماء.

ولكي تراق هذه الدماء بعيدا عن الأيادي الأمريكية، من الضروري العمل على إعادة ترتيب الأوراق في الشرق بما يخدم المشروع الأمريكي الغربي، باتجاه دمج الوكيل الموثوق به، ونقصد هنا "إسرائيل" في سياق المعادلة الشرق أوسطية الجديدة، عبر الحلفاء العرب، السعودية بوصفها "الممول، ومصر القوة الضاربة، والإمارات الداعم المنسق بين الأدوار.

هذا المشروع لا شك سيخدم أطرافاً عربية بعينها، وسيجرف أدوار أطراف أخرى، أظن أن أهمها هو الدور الأردني، الذي لا شك سيحاول هذا التحالف جذبه عبر إيجاد دور له في المسألتين السورية والفلسطينية، فضلا عن محاولة إيجاد صيغة صفقة يمكنها أن تغري الفلسطينيين، باتجاه عقد تسوية يشارك فيها كل من مصر والأردن.

الخطير في هذا المشروع يكمن في آليات تنفيذه التي قد تنتج بحرا من الدماء، في ظل استهداف إيران وحلفائها في سوريا ولبنان، ما يعني احتمال حدوث صدام قاتل بين أمريكا وروسيا، والأخيرة تحاول تقوية جبهتها عبر عقد تحالفات قوية مع تركيا والصين، فضلا عن احتمالية فتح جبهة حرب في الجنوب اللبناني، بين حزب الله وإسرائيل.

والأكثر خطورة لربما يكون هنا في فلسطين، خاصة ونحن نتابع قرار المحكمة العليا الإسرائيلية وهي تعيد تعريف المستوطنين باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من سكان الضفة الغربية، ما يعني أننا أمام إعادة ترسيم لفلسطين التاريخية المحتلة منذ العام ١٩٤٨، عبر تخليق دولة ثالثة عليها تسمى "دولة المستوطنين" وهذا يدفع بالضرورة إلى المشروع القديم الجديد نحو الإعلان عن دولة منقوصة السيادة على كامل قطاع غزة مع إمكانية التوسع في شبه جزيرة سيناء، وبعض أجزاء من الضفة الغربية، مع تسهيلات اقتصادية وما يشبه الكونفدرالية مع الأردن بشكل غير معلن.

كل ذلك إضافة لما يجري في سوريا واليمن وليبيا وتونس، يشير بوضوح إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد ولكن ليس بالألوان وإنما بالدم، ليسجل التاريخ العربي الحديث مشاركة العرب للمرة الأولى بقصد مباشر في ترسيم حدود خارطة الدم الجديدة في المنطقة، علما بأن الدم سيطول الجميع بلا استثناء، بما في ذلك الغرب نفسه وهو ما بدى يتجلى في توسيع مسرح عمليات ما يطلق عليهم "الذئاب المنفردة" في أوروبا.