رولا سرحان
"عشنا في دولة الجهل"، هذه العبارة هي لحاكم القدس البريطاني رونالد ستورز، والتي قالها ذات مرة واصفا بها حال فلسطين في كتاب صادر عنه عام 1937، والذي اقتبست منه المؤرخة والكاتبة الفلسطينية بيان نويهض الحوت مقولته تلك لتدلل على الواقع الذي كانت تعيشه فلسطين في السنة الأولى من فترة الحكم العسكري البريطاني، حيث كانت البلاد تعيش في حالة من الفوضى المطلقة التي كان هدفها الأساسي في السنوات اللاحقة هو تنفيذ هدف حكومة لندن بإدخال مبادئ وعد بلفور حيز التنفيذ بإنشاء الوطن القومي اليهودي.
ورغم أن بريطانيا كانت قد قدمت وعدا آخر للعرب عام 1915 ضمن ما عرف بمراسلات "حسين-ماكماهون" يشمل أن تكون فلسطين عربية ومستقلة، إلا أن فارق الجهد وفارق الوقائع السياسية ساهمت في أن يكون للحركة الصهيونية وزن أكثر من وزن العرب مجتمعين، فكان قرار دعم الحركة الصهيونية على حساب هذه البقعة الصغيرة من العالم العربي، المسماة فلسطين، وعلى حساب شعبها، وبخذلان وتخاذل عربي.
ولعل أجمل توصيف كتب عن العرب هو توصيف عبد الوهاب المسيري لنظرة اليهود للعربي باعتباره "العربي الغائب" لأن مجرد ذكر العربي هو اعتراف ضمني بوجوده.
ولربما كان هذا الأمر هو من أهم اسباب اتباع اسرائيل لسياسة تجاهل وصف فلسطيني عام 1948 بأنهم فلسطينيون ودائما ما تصفهم بأنهم عرب أو مسلمون، إذ أن الأمر سيشكل اعترافاً ضمنيا بهويتهم الفلسطينية، وتباعا بفلسطين كأرض وجد عليها الفلسطينيون شعبا ومكانا في زمن ما.
وكل ما تحاول اسرائيل فعله منذ إنشائها - والقول هنا للمسيري- هو التأكيد على صورة العربي التائه، الذي لا يرتبط بالأرض ليحمله رأسماله ليتجول في أنحاء العالم. ولعله القول الأصوب حاليا الذي يفسر السياقات المختلفة التي تحكم عملية تهافت العرب –بطريقة غير مفهومة لنا على الأقل- للدخول في صفقة سلام مع دولة الاحتلال على حساب ما تبقى من أرض للشعب الفلسطيني.
فالفلسطيني الغائب والعربي التائه، هما الـ "نحن"، في مقابل الـ "هم" الإسرائيليون، وقد ظلت هذه العبارة صحيحة فترة طويلة من الزمن، حتى اختلفت توازنات المنطقة بنشوء قيادات عربية جديدة فأصبحت المعادلة الصحيحة اليوم هي الفلسطيني "المغيب" الـ "هو" في مقابل العربي التائه الـ "نحن" والإسرائيليون الجدد الـ "نحن وهم".