الحدث ــ محمد بدر
نشر معهد دراسات الأمن القومي اليوم الأربعاء 8/11/2017 دراسة عن مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في عهد ترامب، والتي ترجمتها "الحدث"، فيما يلي نص الدراسة:
القضايا الست الملحة والمهمة التي تعد مادة النقاش بين الولايات المتحدة وإسرائيل، هي زيادة الثقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وأمن إسرائيل بما يشمل المساعدات ومعضلة إيران والأزمة السورية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإعادة تأهيل علاقات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية بشكل عام والعلاقات مع إسرائيل خاصة لم تكن عاملا هاما في ميزان الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، ولكن من الطبيعي أن إسرائيل تولى اهتماما كبيرا في ميزان الأمن القومي الأمريكي.
خلافا للإدارات السابقة التي كان لها جدول أعمال واضح ومحدد خلال الحملة، فإن إدارة ترامب ليس لديها سياسة متماسكة في الشرق الأوسط. كما أن ترامب حتى الآن لم يحدد فريق السياسة الخارجية الأمريكية هل هو وزير الخارجية، أم وزير الدفاع أم مستشار الأمن القومي. وعلاوة على ذلك، فإن ترامب لن يكون أول سياسي يدرك أن معطيات الجلوس على كرسي المسؤولية تختلف عن شعارات الحملة الانتخابية. وفي الواقع، هناك فجوة كبيرة بين المواقف المختلفة التي صرح بها ترامب خلال الحملة الانتخابية عن السياسة الخارجية المستقبلية له، وخاصة ما وعد به عن تعزيز القوة العسكرية للولايات المتحدة وأن يكون حازما ضد أعداء الولايات المتحدة واسرائيل أكثر من سلفه أوباما. مع الإشارة أنه من ناحية أخرى، أعلن نيته تقليل التزام الولايات المتحدة بما يخص حلف شمال الاطلسي وكذلك التعاون مع روسيا، إذا مشكلة الإدارة الجديدة أنه من الصعب تحديد سياستها الخارجية على الساحة العالمية بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص
فالعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة لها أساس طويل ومتين من القيم والمصالح المشتركة. والمجال الهام الذي يتطلب التغيير هو مجال الثقة الذي تضررت بشدة بين البلدين خلال فترة الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لذلك، عندما يدعى نتنياهو لزيارة البيت الأبيض، سيحاول التوصل إلى تفاهم مع الرئيس الجديد بشأن ست قضايا رئيسية:
أولا، يجب تجديد الثقة المتبادلة بين الإدارة والحكومة الإسرائيلية. و أن يقدم الرئيس ترامب و نتنياهو المصالح العليا لبلدانهما، وقضاياهما الهامة وخطوطهما الحمراء، كأساس للتنسيق وطريقة لمنع المفاجآت في المنطقة. ولكي يكون هذا الحوار فعالا من حيث تنسيق التحركات للنهوض بالقضايا والأهداف الأساسية، من المهم تجديد العلاقة الحميمة بين ترامب ونتانياهو، والاتفاق على طريقة الاتصال المستمر، و"القنوات الخلفية" التي سيتم من خلالها بحث الأفكار الجديدة. وفي الوقت نفسه، يجب على أمريكا أن تتجنب إمكانية اعتبار إسرائيل، كجزء من الحوار المتجدد بين الحزبين الكبيرين، بل يجب أن تصبح إسرائيل قضية الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) ومهمة بالنسبة للحزبين وليس فقط للجمهوري.
القضية الاستراتيجية المهمة أيضا والتي ستناقش مع ترامب هي السلوك الأمريكي في الشرق الأوسط، لمعالجة السياق الذي صنعه أوباما، ففي عهد أوباما أجرت الولايات المتحدة سياسة خارجية كان ينظر إليها أعداؤها وأصدقاؤها على أنها حذرة جدا وتجنبت استخدام العمل العسكري ولم يكن هناك رد فعل قوي على عبور بعض الدول الخطوط الحمراء. وقد قوضت هذه السياسة العلاقات الأميركية مع كل حلفائها تقريبا في الشرق الأوسط، وخلقت فراغا، وشجعت صعود الأنظمة الإسلامية، ومكنت إيران من تقوية وجودها ونفوذها، ولم تفعل شيء ضد عودة روسيا إلى المنطقة، ، المملكة العربية السعودية وتركيا، تريد أن ترى سياسة أمريكية أكثر حزما في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة هي العامل الوحيد الذي يمكن أن يوقف طموح إيران للهيمنة في المنطقة، والتعامل بفعالية مع "داعش" وتستطيع أن تحتوي طموحات أردوغان الجديدة العثمانية، الأساس إذا هو مواجهة إيران وداعش وعودة روسيا للمنطقة.
ومن الصعب أيضا تحديد موقف ترامب الدقيق من إسرائيل. خلال الحملة قال الكثير من المواقف المؤيدة لإسرائيل، ولكن من ناحية أخرى هناك إشكالية تثير تساؤلات حول المساعدات الخارجية لحلفاء الولايات المتحدة ، خاصة في الوقت الذي أعلن فيه ترامب أنه سيكون محايدا فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأهم قضية استراتيجية يتعين تناولها هي القضية الإيرانية. وتعتبر إيران أهم تهديد لإسرائيل على المدى الطويل وإنه إذا امتلكت ايران قنبلة نووية فستشكل تهديدا للولايات المتحدة والسلام العالمي. ومن المهم أن يعزز ترامب خطابه بأنه لن يسمح أبدا لإيران بتسليح نفسها بالأسلحة النووية. الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إدارة أوباما مع إيران هو مشكلة صعبة جدا، ولكن من الصعب أن نعتقد أن ترامب سينسحب منه، في المدى القريب تكون مخاطر الاتفاق منخفضة مقارنة بالبدائل الأخرى. ومع ذلك، على المدى الطويل، فإن الاتفاق هو إشكالية كبيرة جدا، الاتفاق يمنح إيران شرعية لبرنامج نووي واسع النطاق، ولذلك يجب أن توضح إسرائيل للولايات المتحدة مخاطر الاتفاق
إذا هناك حاجة إلى تعميق التعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة في ضوء التهديد الإيراني بكل مكوناته. في محاولة لصياغة وتوقيع "اتفاق موازي" بين إسرائيل والولايات المتحدة يشمل تفاهمات مشتركة تؤدي لخفض كبير للمخاطر الكامنة في الاتفاق النووي، والاستعداد المشترك للتعامل مع تداعيات خطيرة على المدى الطويل وتعزيز كبير لأمن إسرائيل على المدى الطويل. والعودة إلى التنسيق الاستخباراتي الكامل من أجل اكتشاف الانتهاكات الإيرانية للاتفاق وإعداد خطة مشتركة للتعامل معها، والتوصل لبدائل لهذا الاتفاق من شأنها وقف البرنامج النووي لإيران. وأخيرا يجب مناقشة موضوع تطوير إيران للصواريخ البالستية والتصرف بحزم في هذا الشأن.
القضية الاستراتيجية الأخرى، والأكثر إلحاحا على المستوى الإقليمي، هي الأزمة في سوريا. الحرب الأهلية الدائرة في سوريا تنتج موجات صدمة للمنطقة بأكملها بسبب اللاجئين والإرهاب، من الضروري أن تدرس الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وخارجها شكل استراتيجية مختلفة في التعامل مع روسيا وإيران، اللتان تدعمان نظام الأسد "القاتل". وإيجاد مناطق إنسانية في سوريا يحظر فيها الطيران، واستخدام القوة ضد طائرات الهليكوبتر التابعة للأسد (التي ألقت بشكل عشوائي قنابل وبراميل المتفجرات على الأسواق المدنية والمدارس والمستشفيات)، هي بعض من التدابير التي من شأنها أن تساعد على تغيير سياسات نظام الأسد ، وتواجه إسرائيل تحدي في إقناع حكومة ترامب بأن نشاط روسيا في سوريا يعزز قوة أسوأ أعداء إسرائيل؛ إيران وحزب الله. ومن المهم التوصل إلى تفاهم مع ترامب بأن إيران وحزب الله يجب ألا يسمح لهما بالتواجد على مرتفعات الجولان وإقامة بنية تحتية للإرهاب هناك.
القضية الاستراتيجية الأخرى هي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. قد يكون تغير الإدارة في الولايات المتحدة فرصة لدراسة نماذج جديدة للتقدم بين إسرائيل والفلسطينيين وإدماج العالم العربي في هذه العملية. والقصد من ذلك هو دراسة أفكار من شأنها الحفاظ على حل الدولتين وجهة وخيارا قابلا للتطبيق في المستقبل، ولكنها سوف تعكس الاعتراف باستحالة التوصل الى اتفاق دائم في الوقت الحاضر، ولكنه من شأن مثل هذا الاتفاق أن يحد بشكل كبير من التوتر المحيط بالمستوطنات، الأمر (المستوطنات) الذي ساهم في توتر العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في السنوات الثماني الماضية
وأخيرا، فإن ضمان أمن إسرائيل عنصر أساسي في العلاقات بين البلدين، وينبغي التحقق من صحته وتعزيزه. إن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل عنصر هام من عناصر الردع الإسرائيلي. وتدعم المساعدات الأمريكية المتعددة والسنوية قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على الوفاء بالتكاليف الأمنية الاستثنائية لإسرائيل. ومناقشة الدعم في حالة المواجهة سواء مع حزب الله وحماس، والتحذير من حالة التماثل الكمي والنوعي بين اسرائيل وأعدائها في الأسلحة.
في النهاية، يجب على إسرائيل أن تحرص على إلهها وربها الصغير (الولايات المتحدة)، من أجل أمنها القومي، وأن تتصرف على نحو عاجل وحكيم لإعادة تأهيل وتعزيز العلاقات مع أهم حليف لها.