الحدث- رام لله
في كل مرة، يصدر فيها القيادي بحركة "فتح"، مروان البرغوثي، رسائل من وراء زنازين سجون الاحتلال، تقابل بـ"عدم رضا" وعزل في سجن انفرادي، تكرر قبل أيام، للمرة الـ23، وكأنه صوت "يراد له أن يصمت".
ونقلت سلطات الاحتلال الأربعاء الماضي، البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لـ"فتح"، إلى العزل الانفرادي بعد توجيهه رسالة إلى الشعب الفلسطيني بمناسبة مرور 10 سنوات على رحيل الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، بعد أن اعتبرتها تحريضا على العنف.
ولكنها ليست المرة الأولى التي يعاقب فيها البرغوثي، بالعزل الانفرادي، منذ اعتقاله من مدينة رام الله في العام 2002 بعد اتهامه بلعب دور قيادي في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، إذ تقرر الأمر للمرة الـ23، وجاءت غالبية المرات السابقة بعد إصداره بيانات من داخل السجن.
وقالت فدوى، زوجة البرغوثي: "إن مروان أمضى 20 سنة من عمره في السجون الإسرائيلية و7 سنوات في الإبعاد، لأنه يريد الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني، وحتى هذه اللحظة لم يتحقق هذا الهدف".
وأضافت "لقد أمضى ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي في سجن الرملة وسجن بئر السبع، ثم نقل إلى قسم العزل الجماعي في سجن هداريم".
وسجن هداريم، شمالي إسرائيل؛ هو السجن الذي تم فيه للمرة الأولى صياغة وثيقة سياسية وطنية "وثيقة الاسرى التي عرفت بوثيقة الوفاق الوطني"، وقعت عليها جميع الفصائل الفلسطينية في شهر مايو/أيار 2006، وكان البرغوثي المبادر والمهندس لهذه الوثيقة التي تبنتها لاحقا القيادة الفلسطينية، وإن كانت لم تطبق حتى الآن.
وتعكس الوثيقة إلى حد كبير المواقف التي ينادي بها البرغوثي منذ اعتقاله وحتى الآن؛ وهي الوحدة الوطنية والشراكة السياسية، وإبقاء خيار المقاومة مشرعا.
بدوره، قال قدوره فارس، رئيس نادي الأسير الفلسطيني، وأحد المقربين من البرغوثي، "مروان شخص ناضل من أجل أهداف يجمع عليها الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإنه يحاول دائما أن يعبر عن مواقف السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني".
وأضاف "نحن تحت احتلال ولن يرحل الاحتلال بالتمنيات، ولذلك فإن الأمر يستدعي أن نكون متحفزين للمقاومة دائما وأن تتجسد وحدة وطنية حقيقية وألا نبقى أسرى لصيغ قبلناها في مراحل ولكنها لم تعد صالحة، منها اتفاق أوسلو".
وهذا تماما ما جاء في الرسالة الأخيرة للبرغوثي، إذ دعا إلى "إعادة النظر في وظائف السلطة ومهماتها بحيث تكون مهمتها الأولى والرئيسية دعم المقاومة الشاملة وهذا يقتضي الوقف الفوري للتنسيق والتعاون الأمني الذي يشكل تعزيزاً للإحتلال ويلحق ضرراً بالغاً بالمصالح الوطنية للشعب الفلسطيني".
كما دعا البرغوثي إلى "ضرورة إعادة الاعتبار مجدداً لخيار المقاومة بوصفه الطريق الأقصر لدحر الاحتلال ولنيل الحرية والعودة والاستقلال وتبني حركة المقاطعة لإسرائيل من قبل القيادة الفلسطينية رسميا".
وتمنح هذه المواقف تأييدا جارفا للبرغوثي في الشارع الفلسطيني منذ اعتقاله وحتى الآن، حيث يشير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في استطلاع أخير نشره في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، "لو اقتصرت المنافسة في أي انتخابات بين مروان البرغوثي وإسماعيل هنية، يحصل البرغوثي على 48%، وهنية على 46%".
ودفعت هذه النسب، مراقبين للقول إن البرغوثي قد يكون حصان "فتح" الرابح في أي انتخابات رئاسية قادمة في حال تمسك الرئيس الفلسطيني محمود عباس بموقفه، وعدم خوض الانتخابات القادمة.
وفي هذا الإطار، قال فارس "هو يمثل رأي السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني، وليس بالضرورة أن يمثل رأي الفتحاويين فقط، وإنما أيضا يمثل رأي فلسطينيين في قوى أخرى أو مستقلين".
لكن زوجة البرغوثي قالت إنه "من السابق لأوانه الحديث عن توجهات مروان بشأن الانتخابات"، وأضافت "طالما أن ليس هناك تحديد لموعد الانتخابات، فلا داعي للحديث عن موقف محدد، ولكن إذا تم تحديد موعدها، فإن مروان البرغوثي سيحدد موقفه منها في حينه".
ويقول مقربون من البرغوثي إن التأييد الواسع الذي يحظى به في الشارع الفلسطيني، أكسبه جفاء من شخصيات من الصف الأول بحركة "فتح" ترى أنها الأولى بقيادة الحركة منه.
وقال فارس "بالنسبة للأشخاص المستفيدين من الحالة القائمة حاليا، البرغوثي صوت مزعج، فالبعض مستفيد من الوضع الحالي وهم أقلية، في حين أن أصداء موقف مروان تتردد في أوساط الجماهير الفلسطينية".
أما فدوى فقالت "دائما ما كانت هناك تيارات في حركة فتح، واليوم هناك تيارين في الحركة؛ الأول يرى أن المفاوضات بحاجة إلى مقاومة شعبية رافضة لها على الأرض، والمقاومة بحاجة إلى مفاوضات لكي تجني ثمارا سياسية، وهو ما يمثل فكر مروان".
وأضافت "هناك تيار آخر يعتقد أن المفاوضات لوحدها ستجلب حقوق الشعب الفلسطيني ولكن هذا التيار منح الفرصة الكافية لمدة 20 عاما، تضاعفت خلالها المستوطنات وأعداد المعتقلين، وعلى هذا التيار أن يقتنع أن المفاوضات بدون مقاومة على الأرض لا نتائج لها".
وعادة ما تلجأ سلطات الاحتلال إلى عقاب البرغوثي في كل مرة يصدر فيها رسائل من سجنه إلى الشارع الفلسطيني، بالتزامن مع مناسبات يحييها الشعب الفلسطيني؛ مثل ذكرى النكبة(1967)، ورحيل الرئيس الراحل ياسر عرفات وغيرها.
ويوم الأربعاء نقلت إدارة السجون الإسرائيلية البرغوثي من قسم العزل الجماعي في سجن "هداريم" الإسرائيلي إلى العزل الانفرادي .
وبحسب فدوى التي تواظب على زيارة زوجها في السجن، فإن "مروان يعزل انفراديا للمرة الثالثة والعشرين منذ اعتقاله".
وقالت: "معنوياته عالية وصحته جيدة ويحرص على ممارسة الرياضة للتغلب على يأس السجن ولمقاومة العزل، أما همه الوحيد فهو الانقسام الفلسطيني".
فيما قال فارس "مطلوب منه أن يسكت، لقد حكم عليه الاحتلال بالسجن 5 مؤبدات و40 عاما بسبب مواقفه، وبسبب الاستمرار في مواقفه هذه، يتم عقابه بالعزل الانفرادي".