بقلم: عماد الدين حسين
قبل حوالى أسبوعين تسلمت حكومة الوفاق الوطنى الفلسطينية المعابر التى تربط بين قطاع غزة والكيان الصهيونى، وهى كرم أبوسالم وبيت حانون «ايريز»، وكذلك معبر رفح مع مصر.
التسليم تم تطبيقا للمصالحة التى تم توقيعها بوساطة مصرية ناجحة قبل أسابيع قليلة، ويفترض أن يتم فتح معبر رفح رسميا خلال أيام قليلة.
هذا خبر جيد، وننتظر أن تسير الأمور بصورة صحيحة حتى يتنفس سكان قطاع غزة الصعداء؛ لأنهم هم الذين ضحوا، ودفعوا الثمن الحقيقى، ليس فقط بسبب الحصار الإسرائيلى، ولكن أيضا بسبب الانقسام الفلسطينى الذى تعمق منذ انقلاب حماس وهيمنتها على القطاع فى ١٥ يونيو عام ٢٠٠٧.
كثيرون حاولوا تحقيق المصالحة فى المنطقة العربية، لكنهم لم يوفقوا، ونجحت مصر والحمد لله، وهى التى ترعى خطوات المصالحة الراهنة، لكن علينا ألا نعتقد أن المشكلة انتهت، لأن إسرائيل لن تسكت، وللأسف هناك أطراف فلسطينية، وعربية وإقليمية لا تريد لهذه المصالحة أن تستمر، لأسباب متعددة منها تؤاطؤها مع الاحتلال، ولأن مصر هى التى رعتها.
من يقرأ مقالات الرأى فى الصحف الإسرائيلية مؤخرا سيكتشف بسهولة أن إسرائيل تراهن على أن الفلسطينيين سيقومون ــ بالنيابة عنها ــ بتدمير هذه المصالحة، بحيث لا يتم اتهام إسرائيل بتخريبها بصورة علنية.
مساء الثلاثاء قبل الماضى نفذت إسرائيل عدوانا محدودا على نفق شرق غزة قرب مستوطنة كيسوفيم، ما أدى لاستشهاد ٧ من عناصر حركتى الجهاد وحماس.
ظاهر العملية هو ضرب نفق حفره ناشطو «الجهاد» يخترق الحدود، لكن باطنها، كان توجيه رسالة لكل من يهمه الأمر بأن تل أبيب جاهزة لتخريب المصالحة.
بطل هذه الضربة كان توقيتها، خصوصا أن تلميحات إسرائيلية كثيرة تقول إن تل أبيب كانت تعلم منذ فترة بدء حفر النفق، وانتظرت حتى يصل إلى حدودها. لكن ولأنها لا تفعل شيئا عبثا، فقد اختارت توقيتا لئيما وهو تنفيذ الضربة قبل ساعات فقط من وصول حكومة الوفاق الوطنى إلى القطاع، استعدادا لتسلم المعابر.
إسرائيل بدأت تجهر بما كانت تهمس به، وهو أنها لن تقبل أى مصالحة بين الفلسطينيين، ما لم يتم تنفيذ العديد من الشروط التعجيزية، من أول اعتراف حماس بيهوديتها، نهاية بنزع سلاحها وكل سلاح المقاومة.
من وجهة النظر الإسرائيلية فإن على السلطة الفلسطينية التى يرأسها الرئيس محمود عباس أن تجرِّد حماس من سلاحها، وأن تتسلم منها قائمة بكل الأنفاق التى حفرتها الأخيرة وغيرها من الفصائل الفلسطينية طوال السنوات الماضية.
تحقيق هذا الهدف شبه مستحيل؛ لأنه يقدم لإسرائيل هدية مجانية بلا أى ثمن، كما أن إدارة أبومازن قد لا تقبل بسلاح حماس بصورته الراهنة، وبالتالى فإن على مصر أن تبحث عن صيغة خلاقة تسهل عمل حكومة الوفاق، وفى الوقت نفسه، لا تحول هذه المصالحة إلى مكافأة خالصة لإسرائيل.
بصورة أخرى، كيف يمكن أن تمارس الحكومة الفلسطينية عملها من دون أن تشعر أنها تحت رحمة سلاح حماس، الذى ينبغى أن يكون موجها إلى الاحتلال فقط، وليس التأثير فى المعادلة الداخلية الفلسطينية، كما يفعل الآن حزب الله، الذى قاتل العدو الصهيونى ببسالة جمعت معظم العرب خلفه، لكن للأسف صار سلاحه مشكلة فى الداخل اللبنانى.
إسرائيل ستحاول بكل السبل إفساد المصالحة الفلسطينية، سواء بصورة مباشرة عبر عدوانها وحصارها وإجراءاتها، أو عبر عملائها، وما أكثرهم للأسف.
وبالتالى فقد وجب على كل الأطراف الفلسطينية خصوصا حركتى فتح وحماس ألا يقدموا هدايا مجانية للعدو، وأن يؤمنوا أن مثل هذه الأمور ليس فيها فائز كامل ومهزوم كامل، بل هناك حلول وسط تجعل كل الفلسطينيين فائزين.
الأمور ليست مثالية وعلى الجميع أن يستعد ويتهيأ لكل الفخاخ والمصائد الإسرائيلية، وكذلك التى تأتى من بعض «الأشقاء»، خصوصا أن الحديث يتواتر عن أن إسرائيل صارت أقرب إلى بعضنا من الأشقاء!!.
المصدر: بوابة الشروق المصرية