الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

شاهد الورد... بقلم: سهام أبو عواد

2017-11-20 11:14:53 PM
شاهد الورد...
بقلم: سهام أبو عواد
سهام أبو عواد

حَملَ في يدهِ اليُمنى أكليلَ ورد

قُطُفت أزهارهُ للتوِّ، كانَ يُتمتمُ بعباراتٍ بدت أشبهَ بتمائمَ دجّال متمرس! وسَّدَ قميصهُ ما تدلّى من سوار طوق الورد وهو يغذّ السير محاولاً كسر المسافة الباقية كي يصلَ في الموعد المحدّد. في الطريق؛ عَلَتْ وجههُ ابتسامة جاملَ بها وجوه المارّة إلى الحدّ الذي شَعرَ بأنه يحملُ كلَّ تلكَ الوجوهِ مَعهُ، وبدا كأنّهُ يفرطُ عقد الشمس ويلملمهُ بعينيهِ الّلامِعتين.. فينطلقُ كالشّهاب.

 

كلُّ شيءٍ كانَ يلحقُ به، ووحدها الساعةُ في معصمهِ كانت أشبهَ بابتسامةٍ ميّتةٍ وهي تفرد عقربيها دون حراكٍ فوق يسراهُ، وحجارةُ الطريق تحوّلت تحت قدميهِ كحجري نردٍ يقذفان ألفَ احتمالٍ لعمر المسافة المتبقية وهما يرسمان انتظاراً يطول صبره كلما أعاد النظر إلى عقربي يسراه.

 

ترجلَّ قلبهُ للحظةً عن الخفقانِ قبلَ أنْ يسَمعَ صوتَ القطار المُدوّي كالغارةِ في صدره، وَثَبَ إلى الرصيف وعيونه ترقُبُ آخرعربةٍ للقطار وهي تلّوحُ مودّعةً للواقفين هناك!

يا ويلَ قلبَهُ المترجّلِ؛ كيفَ يعودُ إلى صدره؟ كيفَ يعتذرُ لإكليل الوردِ اللاهثِ في حضن القميص؛ كجوادٍ حطّتْ قَدماهُ للتوّ على أرضِ السّباقِ خاسراً؟

 

طوى جَسَدهُ المنهكَ فوقَ المقعد الخشبيّ وتلقّفَ وجههُ براحة كفّيهِ، وراح يبكي طويلاً، متأملاً سؤالاً باغتَ حزنَهُ: ما بكَ يا ولدي؟ "قالت له تلك العجوز الفقيرة التي كانت ضيفة رصيف القطار منذ أعوام" تلفّتَ إليها مقوّساً حاجبيه مستغرباً كيف تحوّلت السيدة التي يألفُ وجهها منذ سنين إلى دفترٍ يدوّنُ الحكايات العابرة "سيدتي، في كلِّ عامٍ أبعثُ بإكليل وردٍ مع القطار المسافر دون أن أعلم وجهتهُ، ودونَ أن أقطعُ له تذكرةً يثقبها الفراغ لعلّهُ يقرعُ الجرسَ فيحطُّ به القطار قُربَ قبرٍ لأبي، فأبي المنفيُّ منذ الأزل لم يعُد بعد".