جاء قرار الخارجية الأمريكية بإغلاق مقر البعثة التمثيلية الفلسطينية في واشنطن صادما و مفاجئا و مستغربا و مستهجنا من إدارة الرئيس ترامب الذي يروج لما يسمى صفقة القرن التي يسعى من خلالها لحل سياسي للصراع العربي الإسرائيلي وفي مركزه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولم يترك القرار الأمريكي المفاجىء أمام القيادة الفلسطينية من خيار سوى الإعلان عن تعليق الاتصالات مع الإدارة الأمريكية ريثما ينجلي الموقف الأمريكي من إغلاق مكتب الممثلية الفلسطينية و ما يمثله من دلالة على توتر العلاقات الثنائية و تعثر إخراج صفقة القرن إلى العلن في شقها الفلسطيني .
و لم تتمكن الإدارة الأمريكية من إيجاد الأسباب لتبرير قرارها بإغلاق مكتب البعثة التمثيلية الفلسطينية سوى القول إنها لم تتمكن من إيجاد ما يكفي من الأسباب للإبقاء على المكتب مفتوحا و يعمل في واشنطن ووفق المنطق و المحللين و المراقبين فإن هناك الكثير من المبررات و الأسباب التي تبرر عدم إغلاق المكتب ، فالقرار يخرج الإدارة الأمريكية من كونها وسيطا وراعيا وممولا لعملية السلام فهي لم تكن وسيطا محاديا أو نزيها في يوم من الأيام و لكن كان هناك هامش يسمح بقبول أمريكا كوسيط مع كونها منحازة لوجهة النظر الإسرائيلية و قد أكدت هذا الانحياز بالأمس عندما قررت إغلاق المكتب التمثيلي الفلسطيني .
كما أن القرار وفق المحللين لا يحث الفلسطينيين على التقدم على المسار السياسي و العودة إلى مفاوضات السلام أو لذلك جاء القرار الفلسطيني سريعا و حاسما بتعليق الاتصالات مع الإدارة الأمريكية و بالتالي ضرب العملية التي يتحمس لها دونالد ترامب المتمثلة بصفقة القرن وهي صفقة يلف محتواها الغموض ولا يبدو منها حتى الآن سوى السعي الأمريكي لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل و إخراج الاتصالات السرية مع الكيان الصهيوني المحتل للأرض الفلسطينية و العربية إلى العلن وتشكيل تحالف بين بعض الدول العربية و إسرائيل برعاية أمريكية لمواجهة ما يسمى بالخطر الإيراني على المنطقة .
وحل القضية الفلسطينية وفق المنظور الأمني الإسرائيلي الذي يتجاهل حل الدولتين و حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الخاصة به في حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية و الإقرار بحق عودة اللاجئيين الذين شردوا من بيوتهم و أملاكهم ووطنهم وفق قرارات الشرعية الدولية و خاصة القرار 194 .
لقد توافقت الإدارات الأمريكية السابقة لإدارة ترامب على حل الدولتين واستقرهذا المبدأ كسياسة أمريكية وعربية و فلسطينية و دولية .
و اليوم يأتي صانع السياسة الأمريكية للتنكر لهذا المبدأ و تبني المشروع الإسرائيلي كاملا لحل القضية الفلسطينية التي لم تعد من أولوياته و لم يعد يعترف بأنه دولة محتلة لأرض فلسطينية و عربية و يتصرف في واقع الأمر على هذا الأساس فيسارع في عمليات الاستيطان و تقطيع أوصال الضفة الغربية الأرض المفترض أنها أرض الدولة الفلسطينية و تهويد القدس و الخليل و يحاصر المدن و القرى الأخرى و ينتهك بشكل سافر حقوق الإنسان الفلسطيني سعيا لطمس الهوية الفلسطينية التي ناضل شعبنا و قدم آلاف الشهداء والجرحى والأسرى في سبيل استعادته هويته الفلسطينية والاعتراف به كشعب له الحق في تقرير المصير على أرض وطنه التاريخي فلسطين بإقامة دولته المستقلة و عاصمتها القدس الشرقية .
وصفقة القرن ليس من السهل تمريرها لدى الشارع العربي القلق والمرهق إذا لم تأخذ في المركز الأول بالحل العادل للقضية الفلسطينية كضمانة لأمن و استقرار و تنمية المنطقة ، فلا زالت القضية الفلسطينية رغم كل ما يشهده الوطن العربي من محن و هزات و تشرذم وحروب لا زالت القضية في وجدان كل عربي و في مركز الصراع مع إسرائيل وهي الرقم المهم الذي يجب أن يحسب له ألف حساب .
و لن نبالغ إذا أعدنا تكرار القول "الحرب تندلع في فلسطين و السلم يبدأ بفلسطين" و على إدارة الرئيس ترامب أن تأخذ هذه المقولة على محمل الجد ولا تنساق وراء ما تروج له حكومة نتنياهو و تدعيه من علاقات حسنة وجيدة وممتازة مع بعض الدول العربية فكل هذا رهن بحل قضية فلسطين و حقوق شعب فلسطين .